فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
ألستم تعرفون ذلك لهم؟
قالوا: نعم [ ص: 124 ] .
قال: فإن ذاك.
قال ليس في الحديث غير هذا. "أبو عبيد ":
قال: حدثناه عن "هشيم" "يونس" عن "الحسن" يرفعه.
- والله أعلم - : فإن معرفتكم بصنيعهم وإحسانهم مكافأة منكم لهم. قوله: فإن ذاك، معناه
كحديثه الآخر: "من أزلت إليه نعمة، فليكافئ بها، فإن لم يجد فليظهر ثناء حسنا ".
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "فإن ذاك ".
يريد هذا المعنى.
وهذا اختصار من كلام العرب، يكتفى منه بالضمير؛ لأنه قد [ ص: 125 ] علم معناه وما أراد به القائل، وهو من أفصح كلامهم.
وقد بلغنا عن قال: "سفيان الثوري"
جاء رجل إلى من "عمر بن عبد العزيز" "قريش" يكلمه في حاجة له، فجعل يمت بقرابته، فقال [له] "عمر ": "فإن ذاك ".
ثم ذكر له حاجته، فقال [له] : "لعل ذاك ".
لم يزده على أن قال: "فإن ذاك" و"لعل ذاك ".
أي إن ذاك كما قلت، ولعل حاجتك أن تقضى.
وقال "ابن قيس الرقيات ":
بكرت (علي عواذلي ) يلحينني وألو مهنة ويقلن شيب قد علا
ك وقد كبرت فقلت إنه
[قال والاختصار في كلام العرب كثير لا يحصى، وهو عندنا أعرب الكلام وأفصحه، وأكثر ما وجدناه في القرآن. أبو عبيد] :
من ذلك قوله [ - سبحانه - ] : فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق إنما معناه - والله أعلم - : فضربه فانفلق.
ولم يقل: فضربه، أنه حين قال: "أن اضرب بعصاك "، علم أنه قد ضربه [ ص: 127 ] .
ومنه قوله [ - سبحانه - ] : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام
اختصر، واكتفى منه بقوله: ولا تحلقوا رءوسكم
وكذلك قوله: قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولم يخبر عنهم في هذا الموضع أنهم قالوا: إنه سحر [ ص: 128 ] .
ولكن لما قال: أسحر هذا علم أنهم [قد] قالوا: "إنه سحر ".
وكذلك قوله: وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة
يقال في التفسير معناه:
أهذا أفضل أمن هو قانت؟
فاكتفى بالمعرفة بالمعنى [ ص: 129 ] .
وهذا أكثر من أن يحاط به.
وأنشد "الأحمر" للأخطل:
لما رأونا والصليب طالعا ومار سرجيس وموتا ناقعا
خلوا لنا "راذان" والمزارعا" كأنما كانوا غرابا واقعا