الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
179 - وقال "أبو عبيد" في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - "أن المهاجرين قالوا: يا رسول الله! إن الأنصار قد فضلونا، إنهم آوونا، وفعلوا بنا، وفعلوا.

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :

ألستم تعرفون ذلك لهم؟

قالوا: نعم [ ص: 124 ] .

قال: فإن ذاك.

قال "أبو عبيد ": ليس في الحديث غير هذا.

قال: حدثناه "هشيم" عن "يونس" عن "الحسن" يرفعه.

قوله: فإن ذاك، معناه   - والله أعلم - : فإن معرفتكم بصنيعهم وإحسانهم مكافأة منكم لهم.

كحديثه الآخر: "من أزلت إليه نعمة، فليكافئ بها، فإن لم يجد فليظهر ثناء حسنا ".

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "فإن ذاك ".

يريد هذا المعنى.

وهذا اختصار من كلام العرب، يكتفى منه بالضمير؛ لأنه قد [ ص: 125 ] علم معناه وما أراد به القائل، وهو من أفصح كلامهم.

وقد بلغنا عن "سفيان الثوري" قال:

جاء رجل إلى "عمر بن عبد العزيز" من "قريش" يكلمه في حاجة له، فجعل يمت بقرابته، فقال [له] "عمر ": "فإن ذاك ".

ثم ذكر له حاجته، فقال [له] : "لعل ذاك ".

لم يزده على أن قال: "فإن ذاك" و"لعل ذاك ".

أي إن ذاك كما قلت، ولعل حاجتك أن تقضى.

وقال "ابن قيس الرقيات ":


بكرت (علي عواذلي ) يلحينني وألو مهنة     ويقلن شيب قد علا
ك وقد كبرت فقلت إنه

[ ص: 126 ] أي إنه قد كان كما تقلن.

[قال أبو عبيد] : والاختصار في كلام العرب كثير لا يحصى، وهو عندنا أعرب الكلام وأفصحه، وأكثر ما وجدناه في القرآن.

من ذلك قوله [ - سبحانه - ] : فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق إنما معناه - والله أعلم - : فضربه فانفلق.

ولم يقل: فضربه، أنه حين قال: "أن اضرب بعصاك "، علم أنه قد ضربه [ ص: 127 ] .

ومنه قوله [ - سبحانه - ] : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام

اختصر، واكتفى منه بقوله: ولا تحلقوا رءوسكم

وكذلك قوله: قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولم يخبر عنهم في هذا الموضع أنهم قالوا: إنه سحر [ ص: 128 ] .

ولكن لما قال: أسحر هذا علم أنهم [قد] قالوا: "إنه سحر ".

وكذلك قوله: وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة

يقال في التفسير معناه:

أهذا أفضل أمن هو قانت؟

فاكتفى بالمعرفة بالمعنى [ ص: 129 ] .

وهذا أكثر من أن يحاط به.

وأنشد "الأحمر" للأخطل:


لما رأونا والصليب طالعا     ومار سرجيس وموتا ناقعا
خلوا لنا "راذان" والمزارعا"     كأنما كانوا غرابا واقعا

[ ص: 130 ] أراد: فطار فترك الحرف الذي فيه المعنى؛ لأنه قد علم ما أراد.

التالي السابق


الخدمات العلمية