الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
191 - وقال "أبو عبيد" في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه سئل: أي الصوم أفضل بعد شهر رمضان؟

فقال: "شهر الله المحرم"
 
[ ص: 210 ] .

قال: حدثناه "هشيم "، عن "منصور" عن " الحسن" يرفع الحديث.

قوله: شهر الله المحرم، أراه قد نسبه إلى الله تبارك وتعالى - قد علمنا أن الشهور كلها لله - جل ثناوه - ، ولكنه إنما ينسب إليه - تبارك وتعالى - كل شيء يعظم [ ص: 211 ] ويشرف.

وكان "سفيان بن عيينة" يقول: إن قول الله - تبارك وتعالى - : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه .

وقوله [ - عز وجل - ] : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول فنسب المغنم والفيء إلى نفسه، وذلك أنهما أشرف الكسب، إنما هما بمجاهدة العدو [ ص: 212 ] .

ولم يذكر ذلك عند الصدقة في قوله: إنما الصدقات للفقراء والمساكين . ولم يقل: لله وللفقراء، لأن الصدقة أوساخ الناس، واكتسابها مكروه إلا للمضطر إليها.  

قال "أبو عبيد ": فكذلك قوله: "شهر الله المحرم" إنما هو على جهة التعظيم له، وذلك لأنه جعله حراما لا يحل فيه قتال، ولا سفك دم.

وفي بعض الحديث: "شهر الله الأصم"   [ ص: 213 ] .

ويقال: إنما سماه الأصم، لأنه حرمه، فلا يسمع فيه قعقعة سلاح، ولا حركة قتال، وقد حرم غيره من الشهور، وهو ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب.

ولم يذكر في هذا الحديث غير المحرم.

وذلك فيما نرى - والله أعلم - لأن فيه يوم عاشوراء. ففضله بذلك على ذي القعدة ورجب، وأما ذو الحجة، فنرى أنه إنما ترك ذكره عند الصيام، لأن فيه العيد، وأيام التشريق [ ص: 214 ] .

وأما الحديث الآخر في ذكر الأشهر الحرم، فقال: "ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ".  

فإنما سماه "مضر "، لأن "مضر" كانت تعظمه وتحرمه، ولم يكن يستحله أحد من العرب إلا حيان: "خثعم، وطيئ" فإنهما كانا يستحلان الشهور. فكان الذين ينسأون الشهور أيام الموسم يقولون: حرمنا عليكم القتال في هذه الشهور إلا دماء المحلين، فكانت العرب تستحل دماءهم خاصة في هذه الشهور لذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية