227 - وقال
"أبو عبيد" في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستحي فاصنع ما شئت" [ ص: 329 ] .
[قال] : حدثناه عن "جرير بن عبد الحميد" عن "منصور" عن "ربعي بن حراش" عن النبي - صلى الله عليه وسلم. "أبي مسعود الأنصاري"
قال "جرير ": معناه أن يريد الرجل أن يعمل الخير، فيدعه حياء من الناس كأنه يخاف مذهب الرياء.
يقول: فلا يمنعنك الحياء من المضي لما أردت.
وقال والذي ذهب إليه "أبو عبيد ": "جرير" معنى صحيح في مذهبه، وهو شبيه بالحديث الآخر: "إذا جاءك الشيطان، وأنت تصلي، فقال: إنك ترائي، فزدها طولا" [ ص: 330 ] .
وكذلك قول "الحسن ": ما أحد أراد شيئا من الخير إلا سار في قلبه سورتان، فإذا كانت الأولى منهما لله [ - عز وجل - ] فلا تهيدنه الآخرة.
وفي هذا أحاديث، والمعنى فيه قائم.
ولكن الحديث الأول ليس يجيء سياقه ولا لفظه على هذا التفسير، ولا على هذا يحمله الناس.
إنما وجهه عندي أنه أراد بقوله: "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت" إنما هو: من لم يستحي صنع ما شاء، على جهة الذم لترك الحياء، ولم يرد بقوله: "فاصنع ما شئت" أن يأمره بذلك أمرا.
وهذا جائز في كلام العرب أن تقول: افعل كذا وكذا، وليس [ ص: 331 ] تأمره بذلك أمرا، ولكنه أمر بمعنى الخبر.
ألم تسمع حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ".
ليس وجهه أنه أمره بذلك. هذا ما لا يكون.
إنما معناه: من كذب علي متعمدا تبوأ مقعده من النار. [أي] [ ص: 332 ] كان له مقعده من النار، إنما هي لفظة أمر على معنى الخبر، وتأويل الجزاء.
وإنما يراد من الحديث أنه يحث على الحياء، ويأمر به، ويعيب تركه.