الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
461 - وقال "أبو عبيد" في حديث "النبي" - صلى الله عليه وسلم - أنه خطب في حجته أو في عام الفتح، فقال [ ص: 266 ] :

"ألا إن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية، فهي تحت قدمي هاتين، منها دم "ربيعة بن الحارث" إلا سدانة الكعبة وسقاية الحاج".  

قال: حدثنيه "يزيد" عن "سليمان التيمي" عن رجل رفعه إلى "النبي" [ - صلى الله عليه وسلم - ] .

و [قال] غير "يزيد" عن "عوف" عن "الحسن" و"قسامة بن زهير" عن "النبي" - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 267 ] .

قال: وحدثناه "إسماعيل بن عياش" عن "ابن أبي حسين" رفعه.

[قال "أبو عبيد"] : وهو "عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين".

[قال أبو عبيد] : قوله: المأثرة: هي المكرمة، ويقال: إنها إنما سميت مأثرة; لأنها تؤثر، يأثرها قرن عن قرن، أي يتحدث بها، كقولك: أثرت الحديث آثره أثرا; ولهذا قيل: حديث مأثور. ومأثرة مفعلة [من هذا] .

وأما قوله: سدانة البيت، فإنه يعني خدمته [ ص: 268 ] .

يقال منه: سدنته أسدنه سدانة.

وهو رجل سادن من قوم سدنة، وهم الخدم.

فكانت السدانة واللواء في الجاهلية في بني "عبد الدار".

وكانت السقاية والرفادة إلى "هاشم بن عبد مناف" ثم صارت إلى "عبد المطلب" ثم إلى "العباس" فأقر رسول الله [ - صلى الله عليه وسلم - ] ذلك على حاله في الإسلام، والسدانة هي الحجابة.

وأما [قوله] : دم ربيعة بن الحارث: فإن "ابن الكلبي" أخبرني أن "ربيعة" لم يقتل، وقد عاش بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم دهرا إلى زمن "عمر [بن الخطاب - رضي الله عنه] - ، ولكنه قتل له ابن صغير في الجاهلية [قال: أحسبه كان يقال له "لباس"] فأهدر النبي [ - صلى الله عليه وسلم - ] دمه فيما أهدر [ ص: 269 ] .

قال: وإنما قال: دم "ربيعة [بن الحارث] ; لأنه ولي الدم فنسبه إليه.

وأما الرفادة فإنه شيء كانت قريش ترافد به في الجاهلية، فيخرج كل إنسان [منهم] بقدر طاقته، فيجمعون من ذلك مالا عظيما أيام الموسم، فيشترون به الجزر والطعام والزبيب للنبيذ، فلا يزالون يطعمون الناس حتى ينقضي الموسم، وكان أول من قام بذلك وسنه "هاشم بن عبد مناف".

ويقال: إنه إنما سمي "هاشما" لهذا; لأنه هشم الثريد، واسمه "عمرو"، وفيه قال الشاعر:


عمرو العلا هشم الثريد لقومه ورجال "مكة" مسنتون عجاف

ثم قام بعده "عبد المطلب" ثم "العباس" [ - رضي الله عنه - ] [ ص: 270 ] فقام الإسلام; وذلك في يد "العباس" ثم كان في زمن "النبي" - صلى الله عليه وسلم - ثم لم تزل الخلفاء تفعل ذلك إلى اليوم.

وقوله: "تحت قدمي هاتين"  يعني أنه قد أهدر ذلك كله.

وهذا كلام العرب. يقول الرجل للرجل إذا جرى بينهما شر، ثم أرادا الصلح: اجعل ذلك تحت قدميك أي أبطله، وارجع إلى الصلح.

التالي السابق


الخدمات العلمية