الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
529 - وقال أبو عبيد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه بعث مصدقا فقال : لا تأخذ من حزرات أنفس الناس شيئا .  خذ الشارف والبكر وذا العيب " .

حدثنا أبو عبيد قال : حدثناه أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه رفعه [ ص: 39 ] .

[قال أبو عبيد ] : أما قوله : "من حزرات أنفس الناس "  فإن الحزرة خيار المال ، قال الشاعر :

الحزرات حزرات النفس

فيقول : لا تأخذ خيار أموالهم ، خذ الشارف ، وهي : المسنة الهرمة ، والبكر ، وهو : الصغير من ذكور الإبل ، فقال : الشارف والبكر .

وإنما السنة القائمة في الناس ألا يؤخذ في الصدقة إلا ابنة مخاض ، أو ابنة لبون ، أو حقة ، أو جذعة ، ليس فيها سن فوق هذه الأربع ولا دونها . وإنما وجه هذا الحديث عندي - والله أعلم - أنه كان في أول الإسلام قبل أن يؤخذ الناس بالشرائع فلما قوي الإسلام واستحكم ، جرت الصدقة على مجاريها ووجوهها .

وأما عمر [رضي الله عنه ] : "دع الربى والماخض والأكولة " [ ص: 40 ] .

فإن الربى : هي القريبة العهد بالولادة ، ويقال : هي في ربابها ما بينها وبين خمس عشرة ليلة ، وأنشدني الأصمعي لبعض الأعراب :

حنين أم البو في ربابها

وأما الماخض فالتي قد أخذها المخاض لتضع .

والأكولة : هي التي تسمن للأكل ليست بسائمة .

والذي يروى في الحديث : الأكيلة . وإنما الأكيلة : المأكولة ، يقال : هذه أكيلة الأسد والذئب ، وأما هذه فإنها الأكولة [ ص: 41 ] .

وأما قول "عمر " : "احتسب عليهم بالغذاء " فإنها السخال الصغار ، واحدها غذى . قال : وأنشدني الأصمعي ، قال : أنشدني أبو عمرو بن العلاء :


لو أنني كنت من عاد ومن إرم غذى بهم ولقمانا وذا جدن

قال الأصمعي : وأخبرني خلف الأحمر أنه سمع العرب تنشده "غذي بهم" بالتصغير .

قال أبو عبيد : وأما الحديث الآخر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث مصدقا فأتى بشاة شافع ، فلم يأخذها ، وقال : "ائتني بمعتاط "  فإن الشافع التي معها ولدها سميت شافعا ؛ لأن ولدها شفعها ، أو شفعته [ ص: 42 ] هي ، والشفع : الزوج ، والوتر : الفرد .

وأما المعتاط فالتي ضربها الفحل ، فلم تحمل ، يقال منه : هي معتاط وعائط وحائل ، وجمع العائط عوط ، وجمع الحائل حول .

قال أبو عبيد : وسمعت الكسائي يقول : جمع العائط عوط وعوطط ، وجمع الحائل حول وحولل . قال : وبعضهم يجعل حوللا مصدرا ، ولا يجعله جمعا وكذلك عوطط .

التالي السابق


الخدمات العلمية