الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
670 – وقال " أبو عبيد " في حديث " عثمان " - رحمه الله - [ ص: 306 ] :

قال : "إذا وقعت السهمان ، فلا مكابلة " .

قال " الأصمعي " : تكون المكابلة في معنيين : تكون من الحبس ، يقول : إذا حدثت الحدود ، فلا يحبس أحد عن حقه .

وأصل هذا من الكبل ، وهو القيد ، وجمعه كبول ، والمكبول : المحبوس ، قال : وأنشدني " الأصمعي " :


إذا كنت في دار يهينك أهلها ولم تك مكبولا بها فتحول

قال " الأصمعي " : والوجه الآخر : أن تكون المكابلة من الاختلاط ، وهو مقلوب من قولك : لبكت الشيء ، وبكلته : إذا خلطته .

يقول : فإذا حدت الحدود ، فقد ذهب الاختلاط .

قال " أبو عبيدة " هو من الكبل ، ومعناه : الحبس عن حقه ، ولم يذكر الوجه الآخر .

قال " أبو عبيد " : وهذا عنده هو الصواب الذي أجمعا عليه .

وأما التفسير الآخر ، فإنه عندي غلط ، لو كان من بكلت ، أو لبكت لكان مباكلة أو ملابكة ، وإنما الحديث مكابلة .

والذي في هذا الحديث من الفقه : أن " عثمان بن عفان " [رحمه الله ] كان لا يرى الشفعة للجار ،  إنما يراها للخليط المشارك ، وهو بين في حديث له آخر [ ص: 307 ] .

قال حدثناه "عبد الله بن إدريس " عن "محمد بن عمارة " عن "أبي بكر بن حزم " أو عن "عبد الله بن أبي بكر " - الشك من "أبي عبيد" - عن "أبان بن عثمان " عن " عثمان " قال : "لا شفعة في بئر ، ولا فحل ، والأرف تقطع كل شفعة " .

قال "ابن إدريس " : الأرف : المعالم .

وقال " الأصمعي " : هي المعالم والحدود ، قال : وهذا كلام "أهل الحجاز " .

يقال منه : أرفت الدار والأرض تأريفا : إذا قسمتها وحددتها .

وقال "ابن إدريس " : وقوله : "ولا شفعة في بئر ، ولا فحل " قال : أظن الفحل فحل النخل .

قال "أبو عبيد " : وتأويل البئر عندنا : أن تكون البئر بين نفر ، ولكل رجل من أولئك النفر حائط على حدة ليس يملكه غيره ، وكلهم يسقي حائطه من هذه البئر ، فهم شركاء فيها ، وليس بينهم في النخل شرك ، فقضى " عثمان " أنه إن باع رجل منهم حائطه ، فليس لشركائه في البئر شفعة في الحائط من أجل شركه في البئر [ ص: 308 ] .

وأما قوله : "في الفحل " : فإنه من النخل ، كما قال "ابن إدريس " ، ومعناه : الفحل يكون للرجل في حائط قوم آخرين لا شرك له فيه إلا ذلك الفحل ، فإن باع القوم حائطهم ، فلا شفعة لرب الفحل فيه من أجل فحله ذلك .

وقد يقال للحصير : فحل ، وإنما نرى أنه إنما سمي فحلا ؛ لأنه يعمل من فحول النخل .

ومن ذلك حديث يروى عن "النبي" - عليه السلام - : "أنه دخل على رجل من الأنصار ، وفي ناحية البيت فحل من تلك الفحول ، فأمر بناحية منه فرشت ، ثم صلى عليه "   [ ص: 309 ] .

قال : حدثناه "معاذ " عن "ابن عون " أحسبه عن "أنس بن سيرين " عن "عبد الحميد بن المنذر بن الجارود عن "أنس [بن مالك ] " .

إذا أنه قال في حديث معاذ : حصير ، وفي حديث غيره فحل .

يقال : إنما سمي الحصير فحلا ؛ لأنه يعمل من سعف الفحل من النخيل .

وهو في بعض الحديث ، قال : "وفي البيت حصير " فهذا مفسر ، وقد دلك على أن الفحل في ذاك الحديث : الحصير .

ويقال للفحل فحال ، فإذا جمع قيل : فحاحيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية