الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن ذلك:

اللوائح والطوالع واللوامع  

قال الأستاذ هذه الألفاظ متقاربة المعنى لا يكاد يحصل بينها كبير فرق وهي من صفات أصحاب البدايات الصاعدين في الترقي بالقلب فلم يدم لهم بعد ضياء شموس المعارف لكن الحق سبحانه وتعالى يؤتي رزق قلوبهم في كل حين كما قال ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا فكلما أظلم عليهم سماء القلوب بسحاب الحظوظ سنح لهم فيها لوائح الكشف وتلألأ لوامع القرب وهم في زمان سترهم يرقبون فجأة اللوائح فهم كما قال القائل:

يا أيها البرق الذي يلمع من أي أكناف السما تسطع

فتكون أولا لوائح ثم لوامع ثم طوالع فاللوائح كالبروق ما ظهرت حتى استترت كما قال القائل:

افترقنا حولا فلما التقينا     كان تسليمه علي وداعا

وأنشدوا:


يا ذا الذي زار وما زارا     كأنه مقتبس نارا
مر بباب الدار مستعجلا     ما ضره لو دخل الدارا؟



واللوامع أظهر من اللوائح وليس زوالها بتلك السرعة فقد تبقى اللوامع وقتين وثلاثة ولكن كما قالوا:

والعين باكية لم تشبع النظرا

[ ص: 187 ] وكما قالوا:

لم ترد ماء وجهه العين إلا     شرقت قبل ريها برقيب

فإذا لمع قطعك عنك وجمعك به لكن لم يسفر نور نهاره حتى كر عليه عساكر الليل فهؤلاء بين روح ونوح، لأنهم بين كشف وستر كما قالوا:

فالليل يشملنا بفاضل برده     والصبح يلحفنا رداء مذهبا

والطوالع أبقى وقتا وأقوى سلطانا وأدوم مكثا وأذهب للظلمة وأنفى للتهمة لكنها موقوفة على خطر الأقوال ليست برفيعة الأوج ولا بدائمة المكث ثم أوقات حصولها وشيكة الارتحال وأحوال أفولها طويلة الأذيال وهذه المعاني التي هي اللوائح واللوامع والطوالع تختلف في القضايا فمنها ما إذا مات لم يبق عنها أثر كالشوارق إذا أفلت فكأن الليل كان دائما ومنها ما يبقى عنه أثر فإن زال رقمه بقي ألمه وإن غربت أنواره بقيت آثاره فصاحبه بعد سكون غلباته يعيش في ضياء بركاته فإلى أن يلوح ثانيا يرجى وقته على انتظار عوده ويعيش بما وجد في كونه.

[ ص: 188 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية