الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنهم أبو القاسم الجنيد بن محمد: سيد هذه الطائفة وإمامهم  أصله من نهاوند ومنشؤه ومولده بالعراق ، وأبوه كان يبيع الزجاج، فلذلك يقال له القواريري، وكان فقيها على مذهب أبي ثور وكان يفتي في حلقته بحضرته وهو ابن عشرين سنة، صحب خاله السري والحارث المحاسبي ، ومحمد بن علي القصاب، مات سنة سبع وتسعين ومائتين.

سمعت محمد بن الحسين رحمه الله يقول: سمعت محمد بن الحسين البغدادي يقول: سمعت الفراغاني يقول: سمعت الجنيد يقول وقد سئل من العارف؟ قال: من نطق عن سرك وأنت ساكت.

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي رحمه الله يقول: سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول: سمعت أبا محمد الجريري يقول: سمعت الجنيد يقول ما أخذنا التصوف عن القيل والقال، لكن عن الجوع وترك الدنيا، وقطع المألوفات والمستحسنات.  

سمعت محمد بن الحسين رحمه الله يقول: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا محمد الجريري يقول: سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا نصر الأصبهاني يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: سمعت الجنيد يقول لرجل ذكر المعرفة، وقال: أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله عز وجل.

[ ص: 79 ] فقال الجنيد: إن هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الأعمال، وهو عندي عظيمة ، والذي يسرق ويزني أحسن حالا من الذي يقول هذا ، فإن العارفين بالله تعالى أخذوا الأعمال عن الله تعالى ، وإليه رجعوا فيها ، ولو بقيت ألف عام لم أنقص من أعمال البر ذرة إلا أن يحال بي دونها.

وقال الجنيد: إن أمكنك أن لا تكون آلة بيتك إلا خزفا فافعل، وقال الجنيد: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام.

سمعت محمد بن الحسين رحمه الله يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا عمر الأنماطي يقول: سمعت الجنيد يقول: لو أقبل صادق على الله ألف ألف سنة ثم أعرض عنه لحظة كان ما فاته أكثر مما ناله.

وقال الجنيد: من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة.

سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا نصر الأصبهاني يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول عن الجنيد: مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة ، وقال الجنيد: علمنا هذا مشيد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أنبأنا محمد بن الحسين رحمه الله قال: سمعت أبا الحسين بن فارس يقول: سمعت أبا الحسين علي بن إبراهيم الحداد يقول حضرت مجلس القاضي أبي العباس بن شريح فتكلم في الفروع والأصول بكلام حسن عجبت منه، فلما رأى إعجابي قال: أتدري من أين هذا؟ قلت يقول به القاضي، فقال هذا ببركة مجالسة أبي القاسم الجنيد.

وقيل للجنيد: من أين استفدت هذا العلم فقال: من جلوسي بين يدي الله ثلاثين سنة تحت تلك الدرجة، وأومأ إلى درجة في داره. [ ص: 80 ]

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق رحمه الله يحكي ذلك، وسمعته يقول: رئي في يده سبحة فقيل له أنت مع شرفك تأخذ بيدك سبحة فقال: طريق به وصلت إلى ربي لا أفارقه.

وسمعت الأستاذ أبا علي رحمه الله يقول كان الجنيد يدخل كل يوم حانوته ويسبل الستر ويصلي أربعمائة ركعة ثم يعود إلى بيته.

وقال أبو بكر العطوي كنت عند الجنيد حين مات ختم القرآن ثم ابتدأ من البقرة وقرأ سبعين آية ثم مات رحمه الله. [ ص: 81 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية