فإذا تقرر هذا فلنرجع إلى ما احتجوا به أولا : فأما من
nindex.php?page=treesubj&link=20466_22148حد الاستحسان بأنه : ما يستحسنه المجتهد بعقله ويميل إليه برأيه ، فكان هؤلاء يرون هذا النوع من جملة أدلة الأحكام ، ولا شك
[ ص: 653 ] أن العقل يجوز أن يرد الشرع بذلك ، بل يجوز أن يرد بأن ما سبق إلى أوهام العوام ـ مثلا ـ فهو حكم الله عليهم ، فيلزمهم العمل بمقتضاه ، ولكن لم يقع مثل هذا ولم يعرف التعبد به لا بضرورة ولا بنظر ولا بدليل من الشرع قاطع ولا مظنون ، فلا يجوز إسناده لحكم الله لأنه ابتداء تشريع من جهة العقل .
وأيضا ؛ فإنا نعلم أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ حصروا نظرهم في الوقائع التي لا نصوص فيها في الاستنباط والرد إلى ما فهموه من الأصول الثابتة . ولم يقل أحد منهم : إني حكمت في هذا بكذا لأن طبعي مال إليه ، أو لأنه يوافق محبتي ورضائي ، ولو قال ذلك لاشتد عليه النكير ، وقيل له : من أين لك أن تحكم على عبادة الله بمحض ميل النفس وهوى القلب ؟ هذا مقطوع ببطلانه .
بل كانوا يتناظرون ويعترض بعضهم بعضا على مأخذ بعض ، وينحصرون إلى ضوابط الشرع .
وأيضا ، فلو رجع
nindex.php?page=treesubj&link=22147الحكم إلى مجرد الاستحسان لم يكن للمناظرة فائدة ؛ لأن الناس تختلف أهواؤهم وأغراضهم في الأطعمة والأشربة واللباس وغير ذلك ولا يحتاجون إلى مناظرة بعضهم بعضا : لم كان هذا الماء أشهى عندك من الآخر ؟ والشريعة ليست كذلك .
على أن
nindex.php?page=treesubj&link=20463أرباب البدع العملية أكثرهم لا يحبون أن يناظروا أحدا . ولا يفاتحون عالما ولا غيره فيما يتبعون ، خوفا من الفضيحة أن لا يجدوا مستندا شرعيا ، وإنما شأنهم إذا وجدوا عالما أو لقوه أن يصانعوا ، وإذا وجدوا جاهلا
[ ص: 654 ] عاميا ألقوا عليه في الشريعة الطاهرة إشكالات ، حتى يزلزلوهم ويخلطوا عليهم ، ويلبسوا دينهم ، فإذا عرفوا منهم الحيرة والالتباس . ألقوا إليهم من بدعهم على التدريج شيئا فشيئا ، وذموا أهل العلم بأنهم أهل الدنيا المكبون عليها ، وأن هذه الطائفة هم أهل الله وخاصته . وربما أوردوا عليهم من كلام غلاة الصوفية شواهد على ما يلقون إليهم ، حتى يهووا بهم في نار جهنم ، وأما أن يأتوا الأمر من بابه ويناظروا عليه العلماء الراسخين فلا .
وتأمل
nindex.php?page=treesubj&link=20463_28840ما نقله nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في استدراج الباطنية غيرهم إلى مذهبهم ، تجدهم لا يعتمدون إلا على خديعة الناس من غير تقرير علم ، والتحيل عليهم بأنواع الحيل ، حتى يخرجوهم من السنة ، أو عن الدين جملة . ولولا الإطالة لأتيت بكلامه ، فطالعه في كتاب " فضائح
الباطنية " .
وأما الحد الثاني ، فقد رد بأنه لو فتح هذا الباب لبطلت الحجج وادعى كل من شاء ما شاء ، واكتفى بمجرد القول ، فألجأ الخصم إلى الإبطال . وهذا يجر فسادا لا خفاء له . وإن سلم فذلك الدليل إن كان فاسدا فلا عبرة به ، وإن كان صحيحا فهو راجع إلى الأدلة الشرعية فلا ضرر فيه .
- وأما الدليل الأول ، فلا متعلق به ، فإن أحسن الاتباع إلينا اتباع الأدلة الشرعية ، وخصوصا القرآن ، فإن الله تعالى يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها الآية ، وجاء في صحيح الحديث ـ خرجه
مسلم ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005515قال في خطبته : أما بعد ، فأحسن الحديث كتاب الله [ ص: 655 ] فيفتقر أصحاب الدليل أن يبينوا أن ميل الطباع أو أهواء النفوس مما أنزل إلينا ، فضلا عن أن يقول من أحسنه .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=18الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه الآية . يحتاج إلى بيان أن ميل النفوس يسمى قولا . وحينئذ ينظر إلى كونه أحسن القول كما تقدم وهذا كله فاسد .
ثم إنا نعارض هذا الاستحسان بأن عقولنا تميل إلى إبطاله ، وأنه ليس بحجة ، وإنما الحجة الأدلة الشرعية المتلقاة من الشرع .
وأيضا ، فيلزم عليه
nindex.php?page=treesubj&link=22148_22150استحسان العوام ومن ليس من أهل النظر ، إذا فرض أن الحكم يتبع مجرد ميل النفوس وهوى الطباع ، وذلك محال ، للعلم بأن ذلك مضاد للشريعة ، فضلا عن أن يكون من أدلتها .
وأما الدليل الثاني ، فلا حجة فيه من أوجه :
أحدها : أن ظاهره يدل على أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005516ما رآه المسلمون حسنا فهو حسن ، والأمة لا تجتمع على باطل . فاجتماعهم على حسن شيء يدل على حسنه شرعا ، لأن الاجتماع يتضمن دليلا شرعيا ، فالحديث دليل عليكم لا لكم .
والثاني : أنه خبر واحد في مسألة قطعية فلا يسمع .
والثالث : أنه إذا لم يرد به أهل الإجماع وأريد بعضهم فيلزم عليه استحسان العوام ، وهو باطل بإجماع . لا يقال : إن المراد
nindex.php?page=treesubj&link=22148_22150_20466استحسان أهل الاجتهاد ، لأنا نقول : هذا ترك للظاهر ، فيبطل الاستدلال .
[ ص: 656 ] ثم إنه لا فائدة
nindex.php?page=treesubj&link=22148_22150_20466في اشتراط الاجتهاد ، لأن المستحسن بالفرض لا ينحصر في الأدلة ، فأي حاجة إلى اشتراط الاجتهاد ؟
فإن قيل : إنما يشترط حذرا من مخالفة الأدلة فإن العامي لا يعرفها . قيل : بل المراد
nindex.php?page=treesubj&link=22148_22150استحسان ينشأ عن الأدلة ، بدليل أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ قصروا أحكامهم على اتباع الأدلة وفهم مقاصد الشرع .
فالحاصل أن تعلق المبتدعة بمثل هذه الأمور تعلق بما لا يغنيهم ولا ينفعهم البتة ، لكن ربما يتعلقون في آحاد بدعتهم بآحاد شبه ستذكر في مواضعها إن شاء الله ، ومنها ما قد مضى .
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلْنَرْجِعْ إِلَى مَا احْتَجُّوا بِهِ أَوَّلًا : فَأَمَّا مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=20466_22148حَدَّ الِاسْتِحْسَانَ بِأَنَّهُ : مَا يَسْتَحْسِنُهُ الْمُجْتَهِدُ بِعَقْلِهِ وَيَمِيلُ إِلَيْهِ بِرَأْيِهِ ، فَكَانَ هَؤُلَاءِ يَرَوْنَ هَذَا النَّوْعَ مِنْ جُمْلَةِ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ ، وَلَا شَكَّ
[ ص: 653 ] أَنَّ الْعَقْلَ يُجَوِّزُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعَ بِذَلِكَ ، بَلْ يُجَوِّزُ أَنْ يَرِدَ بِأَنَّ مَا سَبَقَ إِلَى أَوْهَامِ الْعَوَامِّ ـ مَثَلًا ـ فَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، فَيَلْزَمُهُمُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ ، وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ مِثْلُ هَذَا وَلَمْ يُعْرَفِ التَّعَبُّدُ بِهِ لَا بِضَرُورَةٍ وَلَا بِنَظَرٍ وَلَا بِدَلِيلٍ مِنَ الشَّرْعِ قَاطِعٍ وَلَا مَظْنُونٍ ، فَلَا يَجُوزُ إِسْنَادُهُ لِحُكْمِ اللَّهِ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ تَشْرِيعٍ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ .
وَأَيْضًا ؛ فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الصَّحَابَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ حَصَرُوا نَظَرَهُمْ فِي الْوَقَائِعِ الَّتِي لَا نُصُوصَ فِيهَا فِي الِاسْتِنْبَاطِ وَالرَّدِّ إِلَى مَا فَهِمُوهُ مِنَ الْأُصُولِ الثَّابِتَةِ . وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ : إِنِّي حَكَمْتُ فِي هَذَا بِكَذَا لِأَنَّ طَبْعِي مَالَ إِلَيْهِ ، أَوْ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ مَحَبَّتِي وَرِضَائِي ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَاشْتَدَّ عَلَيْهِ النَّكِيرُ ، وَقِيلَ لَهُ : مِنْ أَيْنَ لَكَ أَنْ تَحْكُمَ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ بِمَحْضِ مَيْلِ النَّفْسِ وَهَوَى الْقَلْبِ ؟ هَذَا مَقْطُوعٌ بِبُطْلَانِهِ .
بَلْ كَانُوا يَتَنَاظَرُونَ وَيَعْتَرِضُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى مَأْخَذِ بَعْضِ ، وَيَنْحَصِرُونَ إِلَى ضَوَابِطِ الشَّرْعِ .
وَأَيْضًا ، فَلَوْ رَجَعَ
nindex.php?page=treesubj&link=22147الْحُكْمُ إِلَى مُجَرَّدِ الِاسْتِحْسَانِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُنَاظَرَةِ فَائِدَةٌ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ تَخْتَلِفُ أَهْوَاؤُهُمْ وَأَغْرَاضُهُمْ فِي الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى مُنَاظَرَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا : لِمَ كَانَ هَذَا الْمَاءُ أَشْهَى عِنْدَكَ مِنَ الْآخَرِ ؟ وَالشَّرِيعَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ .
عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20463أَرْبَابَ الْبِدَعِ الْعَمَلِيَّةِ أَكْثَرُهُمْ لَا يُحِبُّونَ أَنْ يُنَاظِرُوا أَحَدًا . وَلَا يُفَاتِحُونَ عَالِمًا وَلَا غَيْرَهُ فِيمَا يَتَّبِعُونَ ، خَوْفًا مِنَ الْفَضِيحَةِ أَنْ لَا يَجِدُوا مُسْتَنَدًا شَرْعِيًّا ، وَإِنَّمَا شَأْنُهُمْ إِذَا وَجَدُوا عَالِمًا أَوْ لَقَوْهُ أَنْ يُصَانِعُوا ، وَإِذَا وَجَدُوا جَاهِلًا
[ ص: 654 ] عَامِّيًّا أَلْقَوْا عَلَيْهِ فِي الشَّرِيعَةِ الطَّاهِرَةِ إِشْكَالَاتٍ ، حَتَّى يُزَلْزِلُوهُمْ وَيُخَلِّطُوا عَلَيْهِمْ ، وَيَلْبِسُوا دِينَهُمْ ، فَإِذَا عَرَفُوا مِنْهُمُ الْحَيْرَةَ وَالِالْتِبَاسَ . أَلْقَوْا إِلَيْهِمْ مِنْ بِدَعِهِمْ عَلَى التَّدْرِيجِ شَيْئًا فَشَيْئًا ، وَذَمُّوا أَهْلَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ الدُّنْيَا الْمُكِبُّونُ عَلَيْهَا ، وَأَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ . وَرُبَّمَا أَوْرَدُوا عَلَيْهِمْ مِنْ كَلَامِ غُلَاةِ الصُّوفِيَّةِ شَوَاهِدَ عَلَى مَا يُلْقُونَ إِلَيْهِمْ ، حَتَّى يَهْوُوا بِهِمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، وَأَمَّا أَنْ يَأْتُوا الْأَمْرَ مِنْ بَابِهِ وَيُنَاظِرُوا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءَ الرَّاسِخِينَ فَلَا .
وَتَأَمَّلْ
nindex.php?page=treesubj&link=20463_28840مَا نَقَلَهُ nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ فِي اسْتِدْرَاجِ الْبَاطِنِيَّةِ غَيْرَهُمْ إِلَى مَذْهَبِهِمْ ، تَجِدُهُمْ لَا يَعْتَمِدُونَ إِلَّا عَلَى خَدِيعَةِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ تَقْرِيرِ عِلْمٍ ، وَالتَّحَيُّلِ عَلَيْهِمْ بِأَنْوَاعِ الْحِيَلِ ، حَتَّى يُخْرِجُوهُمْ مِنَ السُّنَّةِ ، أَوْ عَنِ الدِّينِ جُمْلَةً . وَلَوْلَا الْإِطَالَةُ لَأَتَيْتُ بِكَلَامِهِ ، فَطَالِعْهُ فِي كِتَابِ " فَضَائِحُ
الْبَاطِنِيَّةِ " .
وَأَمَّا الْحَدُّ الثَّانِي ، فَقَدْ رَدَّ بِأَنَّهُ لَوْ فَتَحَ هَذَا الْبَابَ لَبَطَلَتِ الْحُجَجُ وَادَّعَى كُلُّ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ ، وَاكْتَفَى بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ ، فَأَلْجَأَ الْخَصْمَ إِلَى الْإِبْطَالِ . وَهَذَا يَجُرُّ فَسَادًا لَا خَفَاءَ لَهُ . وَإِنْ سَلَّمَ فَذَلِكَ الدَّلِيلُ إِنْ كَانَ فَاسِدًا فَلَا عِبْرَةَ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا ضَرَرَ فِيهِ .
- وَأَمَّا الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ ، فَلَا مُتَعَلِّقَ بِهِ ، فَإِنَّ أَحْسَنَ الِاتِّبَاعِ إِلَيْنَا اتِّبَاعُ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَخُصُوصًا الْقُرْآنَ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا الْآيَةَ ، وَجَاءَ فِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ ـ خَرَّجَهُ
مُسْلِمٌ ـ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005515قَالَ فِي خُطْبَتِهِ : أَمَّا بَعْدُ ، فَأَحْسَنُ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ [ ص: 655 ] فَيَفْتَقِرُ أَصْحَابُ الدَّلِيلِ أَنْ يُبَيِّنُوا أَنَّ مَيْلَ الطِّبَاعِ أَوْ أَهْوَاءِ النُّفُوسِ مِمَّا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَقُولَ مِنْ أَحْسَنِهِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=18الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ الْآيَةَ . يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ أَنَّ مَيْلَ النُّفُوسِ يُسَمَّى قَوْلًا . وَحِينَئِذٍ يُنْظَرُ إِلَى كَوْنِهِ أَحْسَنَ الْقَوْلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا كُلُّهُ فَاسِدٌ .
ثُمَّ إِنَّا نُعَارِضُ هَذَا الِاسْتِحْسَانَ بِأَنَّ عُقُولَنَا تَمِيلُ إِلَى إِبْطَالِهِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُتَلَقَّاةُ مِنَ الشَّرْعِ .
وَأَيْضًا ، فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ
nindex.php?page=treesubj&link=22148_22150اسْتِحْسَانُ الْعَوَامِّ وَمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ ، إِذَا فَرَضَ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَّبِعُ مُجَرَّدَ مَيْلِ النُّفُوسِ وَهَوَى الطِّبَاعِ ، وَذَلِكَ مُحَالٌ ، لِلْعِلْمِ بِأَنَّ ذَلِكَ مُضَادٌّ لِلشَّرِيعَةِ ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَدِلَّتِهَا .
وَأَمَّا الدَّلِيلُ الثَّانِي ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ مِنْ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ ظَاهِرَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005516مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ حَسَنٌ ، وَالْأُمَّةُ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى بَاطِلٍ . فَاجْتِمَاعُهُمْ عَلَى حُسْنِ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى حُسْنِهِ شَرْعًا ، لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ يَتَضَمَّنُ دَلِيلًا شَرْعِيًّا ، فَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَيْكُمْ لَا لَكُمْ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ فِي مَسْأَلَةٍ قَطْعِيَّةٍ فَلَا يُسْمَعُ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُرَدْ بِهِ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ وَأُرِيدَ بَعْضُهُمْ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانُ الْعَوَامِّ ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعٍ . لَا يُقَالُ : إِنَّ الْمُرَادَ
nindex.php?page=treesubj&link=22148_22150_20466اسْتِحْسَانُ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ ، لِأَنَّا نَقُولُ : هَذَا تَرْكٌ لِلظَّاهِرِ ، فَيَبْطُلُ الِاسْتِدْلَالُ .
[ ص: 656 ] ثُمَّ إِنَّهُ لَا فَائِدَةَ
nindex.php?page=treesubj&link=22148_22150_20466فِي اشْتِرَاطِ الِاجْتِهَادِ ، لِأَنَّ الْمُسْتَحْسَنَ بِالْفَرْضِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْأَدِلَّةِ ، فَأَيُّ حَاجَةٍ إِلَى اشْتِرَاطِ الِاجْتِهَادِ ؟
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّمَا يُشْتَرَطُ حَذَرًا مِنْ مُخَالَفَةِ الْأَدِلَّةِ فَإِنَّ الْعَامِّيَّ لَا يَعْرِفُهَا . قِيلَ : بَلِ الْمُرَادُ
nindex.php?page=treesubj&link=22148_22150اسْتِحْسَانٌ يَنْشَأُ عَنِ الْأَدِلَّةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّحَابَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ قَصَرُوا أَحْكَامَهُمْ عَلَى اتِّبَاعِ الْأَدِلَّةِ وَفَهْمِ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ .
فَالْحَاصِلُ أنَّ تَعَلُّقَ الْمُبْتَدِعَةِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ تَعَلُّقٌ بِمَا لَا يُغْنِيهِمْ وَلَا يَنْفَعُهُمُ الْبَتَّةَ ، لَكِنْ رُبَّمَا يَتَعَلَّقُونَ فِي آحَادِ بِدْعَتِهِمْ بِآحَادٍ شُبَهٍ سَتُذْكَرُ فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَمِنْهَا مَا قَدْ مَضَى .