نعم ثم معنى آخر ينبغي أن يذكر هنا . وهو : المسألة الخامسة  
وذلك أن هذه  الفرق إنما تصير فرقا بخلافها للفرقة الناجية   في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة ، لا في جزئي من الجزئيات ، إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعا ، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية ، لأن الكليات تقتضي عددا من الجزئيات غير قليل ، وشاذها في الغالب أن لا يختص بمحل دون محل ولا بباب دون باب .  
واعتبر ذلك بمسألة التحسين العقلي ، فإن المخالفة فيها أنشأت بين المخالفين خلافا في فروع لا تنحصر ، ما بين فروع عقائد وفروع أعمال .  
ويجري مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات ، فإن المبتدع إذا أكثر من إنشاء الفروع المخترعة عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارضة ، كما تصير القاعدة الكلية معارضة أيضا ، وأما الجزئي فبخلاف ذلك ، بل يعد وقوع ذلك من المبتدع له      [ ص: 713 ] كالزلة والفلتة ، وإن كانت زلة العالم مما يهدم الدين ، حيث  قال   عمر بن الخطاب     - رضي الله عنه - : ثلاث يهدمن الدين : زلة العالم ، وجدال منافق بالقرآن ، وأئمة مضلون     . ولكن إذا قرب موقع الزلة لم يحصل بسببها تفرق في الغالب ولا هدم للدين . بخلاف الكليات .  
فأنت ترى موقع اتباع المتشابهات كيف هو في الدين إذا كان اتباعا مخلا بالواضحات . وهي أم الكتاب . وكذلك عدم تفهم القرآن موقع في الإخلال بكلياته وجزئياته .  
وقد ثبت أيضا للكفار بدع فرعية . ولكنها في الضروريات وما قاربها . كجعلهم لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ولشركائهم نصيبا، ثم فرعوا عليه أن ما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله ، وما كان لله وصل إلى شركائهم . وتحريمهم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وقتلهم أولادهم سفها بغير علم ، وترك العدل في القصاص والميراث ، والحيف في النكاح والطلاق ، وأكل مال اليتيم على نوع من الحيل ، إلى أشباه ذلك مما نبه عليه الشرع وذكره العلماء ، حتى صار التشريع ديدنا لهم ، وتغيير ملة  إبراهيم   عليه السلام سهلا عليهم ، فأنشأ ذلك أصلا مضافا إليهم وقاعدة رضوا بها ، وهي التشريع المطلق لا الهوى ، ولذلك لما نبههم الله تعالى على إقامة الحجة عليهم بقوله تعالى :  قل آلذكرين حرم أم الأنثيين   قال فيها :  نبئوني بعلم إن كنتم صادقين   فطالبهم بالعلم الذي شأنه أن لا يشرع إلا حقا وهو علم      [ ص: 714 ] الشريعة لا غيره ، ثم قال تعالى :  أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا   تنبيها لهم على أن هذا ليس مما شرعه في ملة  إبراهيم      : ثم قال :  فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم   فثبت أن هذه الفرق إنما افترقت بحسب أمور كلية اختلفوا فيها والله أعلم .  
				
						
						
