المسألة الحادية عشرة  
فإن الحديث الصحيح قال :  
لتتبعن سنن من كان قبلكم   شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم - قلنا : يا رسول الله ! اليهود والنصارى ؟ - قال فمن ؟  زيادة إلى حديث  الترمذي  الغريب ، فدل ضرب المثال في التعيين على أن الاتباع في أعيان أفعالهم .  
 [ ص: 751 ] وفي الصحيح  عن   أبي واقد الليثي     - رضي الله عنه - : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خيبر ونحن حديثو عهد بكفر ، وللمشركين سدرة يعكفون حولها وينوطون بها أسلحتهم ، يقال لها ذات أنواط فقلنا : يا رسول الله ! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر " هذا كما قالت  بنو إسرائيل   اجعل لنا إلها كما لهم آلهة   لتركبن سنن من كان قبلكم  وصار حديث الفرق بهذا التفسير صادقا على أمثال البدع التي تقدمت لليهود والنصارى ، وأن هذه الأمة تبتدع في دين الله مثل تلك البدع وتزيد عليها ببدعة لم تتقدمها واحدة من الطائفتين ، ولكن هذه البدعة الزائدة إنما تعرف بعد معرفة البدع الأخر ، وقد مر أن ذلك لا يعرف ، أو لا يسوغ التعريف به وإن عرف ، فكذلك لا تتعين البدعة الزائدة ، والله أعلم .  
وفي الحديث أيضا عن   أبي هريرة     - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بما أخذ القرون من قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع ، فقال رجل : يا رسول الله ! كما فعلت فارس والروم ؟ قال : وهل الناس إلا أولئك  وهو بمعنى الأول ، إلا أنه ليس فيه ضرب مثل ، فقوله :  حتى تأخذ أمتي بما أخذ القرون من قبلها  يدل على أنها تأخذ بمثل ما أخذوا به ، إلا أنه لا يتعين في الاتباع لهم أعيان بدعهم ، بل قد تتبعها في أعيانها وتتبعها في أشباهها ،      [ ص: 752 ] فالذي يدل على الأول قوله :  لتتبعن سنن من كان قبلكم  الحديث، فإنه قال فيه :  حتى لو دخلوا في جحر ضب خرب لاتبعتموهم     .  
والذي يدل على الثاني قوله :  فقلنا يا رسول الله : اجعل لنا ذات أنواط ، فقال عليه السلام : هذا كما قالت  بنو إسرائيل      : اجعل لنا إلها     . . . " الحديث . فإن اتخاذ ذات أنواط يشبه اتخاذ الآلهة من دون الله ، لا أنه هو بنفسه فلذلك لا يلزم الاعتبار بالمنصوص عليه ما لم ينص عليه مثله من كل وجه ، والله أعلم .  
				
						
						
