الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
175 - حدثنا محمد، قال: أخبرنا أبو عبيد أخبرنا إبراهيم بن سليمان، عن الأحوص بن حكيم، بإسناد له [ ص: 238 ] .غير أنه ليس مما يحتج به أهل الحديث، إنما الحجة فيه ما أعلمتك من التأويل ، ومن اسم الماء. فهذا حكم مبلغ القلتين والثلاث فإذا قصر الماء عنهما ، فلم يبلغهما فإنه الذي ينجس بقليل ما يدخله من الأقذار وكثيره ، كالقطرة من الدم والبول والغائط يخالطه ، فتشمله كله حينئذ النجاسة ، ولا يطهر منه شيء أبدا ، حتى ينزح من عند آخره ، وإن لم يغير منه طعما ولا ريحا.

وقد تكلم الناس في القلال ، فقال بعض أهل العلم: هي الجرار ، وقال آخرون: هي الحباب ، وهذا القول الذي أختاره وأذهب إليه ، إنها الحباب ، وهي: قلال هجر ، معروفة عندهم وعند العرب مستفيضة. وقد سمعنا ذكرها في أشعارهم ، وقد يكون بالشام أيضا والجزيرة ، وتلك الناحية ، وكل هذا الذي اقتصصناه إنما هو في الماء الدائم الذي لا مادة له ، وذلك مثل الغدران والمصانع والصهاريج والحياض والبرك ، وأما الماء المعد الذي له [ ص: 239 ] المواد مثل الآبار والعيون ونحوها فالقول فيها من بعض العلماء غير ذلك ، وهما عندنا سيان ، وقد ذكرنا أقوالهم بعد هذا الباب.

وأما حديث عبد الله بن عمرو في أربعين قلة الذي رواه عنه محمد بن المنكدر فإنه مرسل لا نعلمه سمع منه شيئا فإن كان هذا محفوظا فليس معناه عندنا قلال هجر ، لأن الناس قد كانوا يسمون الكيزان التي يشرب فيها قلالا يكون مبلغ الكوز منها ، الرطلين والثلاث وأكثر من ذلك ، وقد رأيناها نحن قبل أن يحدث الناس الكيزان الصغار ، فوجه حديث عبد الله بن عمرو عندي ، تلك القلال إن كان حفظ ، وكذلك وجه حديث أبي هريرة في القول في أربعين ، والشاهد لقولنا حديث أبي هريرة الآخر ، وهو قوله: "لا يخبث أربعين دلوا شيء ،  وإن استحم فيه خبث" فذكر أربعين قلة في موضع ، وأربعين دلوا في آخر ، فهذا ينبئك أنها هذه القلال التي وصفناها ، لأن القلة منها نحو من الدلو ، فإذا اجتمع من هذه أربعون ، كانت نحوا من القلتين والثلاث من قلال هجر ، فحديثه [ ص: 240 ] وحديث عبد الله بن عمرو ليسا بخلاف الحديث المرفوع ، بل هما موافقاه إن شاء الله.

قال أبو عبيد: وهكذا حديث ابن سيرين في توقيت الكر ، هو عندي راجع إلى هذا المعنى ، وذلك أنه إنما أراد بالكر: مكيال زمانه يومئذ ، وكان يقال له: الحجاجي وهو ربع الهاشمي الأول ، وخمس هذا الملحم ، ولا أحسب خمس كرنا اليوم يملأ أكثر من قلتين أو ثلاث من قلال هجر ، وهي الحباب العظام التي وصفنا ، وأرى أقوال العلماء من الصحابة والتابعين حين وقتوا مواقيت الماء راجعة كلها إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم في مبلغ القلتين أو الثلاث. [ ص: 241 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية