اعتقاد   أحمد بن حنبل     -   رضي الله عنه  
317 - أخبرنا  علي بن محمد بن عبد الله السكري  ، قال : حدثنا  عثمان بن أحمد بن عبد الله بن بريد الدقيقي  قال : حدثنا  أبو محمد   [ ص: 176 ] الحسن بن عبد الوهاب أبو العنبر     - قراءة من كتابه في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين ومائتين - قال : حدثنا  أبو جعفر محمد بن سليمان المنقري  بتنيس   قال : حدثني  عبدوس بن مالك العطار  قال :  سمعت   أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل  يقول : " أصول السنة عندنا : التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والاقتداء بهم ، وترك البدع ، وكل بدعة فهي ضلالة ، وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء ، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين ، والسنة عندنا آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  والسنة تفسر القرآن   ، وهي دلائل القرآن ، وليس في السنة قياس ، ولا تضرب لها الأمثال ، ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء ، إنما هي الاتباع وترك الهوى ، ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها :  الإيمان بالقدر خيره وشره   ، والتصديق بالأحاديث فيه ، والإيمان بها لا يقال لم ولا كيف ؟ إنما هو التصديق بها والإيمان بها ، ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كفي ذلك وأحكم له ، فعليه الإيمان به والتسليم له ، مثل حديث الصادق والمصدوق ، وما كان مثله في القدر ، ومثل أحاديث الرؤية كلها ، وإن نبت عن الأسماع واستوحش      [ ص: 177 ] منها المستمع فإنما عليه الإيمان بها ، وأن لا يرد منها جزءا واحدا وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات ، لا يخاصم أحدا ولا يناظره ولا يتعلم الجدل ، فإن الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروه منهي عنه ، ولا يكون صاحبه - إن أصاب بكلامه السنة - من أهل السنة حتى يدع الجدل ويسلم ويؤمن بالآثار ،  والقرآن كلام الله وليس بمخلوق   ، ولا تضعف أن تقول ليس بمخلوق ، فإن كلام الله منه وليس منه شيء مخلوق ، وإياك ومناظرة من أحدث فيه ، ومن قال باللفظ وغيره ، ومن وقف فيه فقال : " لا أدري مخلوق أو ليس بمخلوق " ، وإنما هو كلام الله وليس بمخلوق . والإيمان بالرؤية يوم القيامة كما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحاديث الصحاح ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد رأى ربه ، وأنه مأثور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحيح ، رواه  قتادة  ، عن  عكرمة  ، عن   ابن عباس  ، ورواه  الحكم بن أبان  ، عن  عكرمة  ، عن   ابن عباس  ، ورواه   علي بن زيد  ، عن  يوسف بن مهران  ، عن   ابن عباس  ، والحديث عندنا على ظاهره كما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والكلام فيه بدعة ، ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره ولا نناظر فيه أحدا .  
 [ ص: 178 ] والإيمان بالميزان   كما جاء : (  يوزن العبد يوم القيامة فلا يزن جناح بعوضة     ) وتوزن أعمال العباد كما جاء في الأثر . والإيمان به والتصديق به والإعراض عمن رد ذلك ، وترك مجادلته . 
وإن الله - تبارك وتعالى - يكلم العباد يوم القيامة ليس بينهم وبينه ترجمان ، والإيمان به والتصديق به .  
والإيمان بالحوض ، وأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضا يوم القيامة ترد عليه أمته   ، عرضه مثل طوله مسيرة شهر ، آنيته كعدد نجوم السماء ، على ما صحت به الأخبار من غير وجه .  
والإيمان بعذاب القبر   ، وأن هذه الأمة تفتن في قبورها ، وتسأل عن الإيمان والإسلام ، ومن ربه ، ومن نبيه ، ويأتيه منكر ونكير كيف شاء الله عز وجل وكيف أراد ، والإيمان به والتصديق به .  
والإيمان بشفاعة النبي      - صلى الله عليه وسلم - وبقوم يخرجون من النار بعدما احترقوا وصاروا فحما ، فيؤمر بهم إلى نهر على باب الجنة كما جاء في الأثر ، كيف شاء الله وكما شاء ، إنما هو الإيمان به والتصديق به .  
والإيمان أن  المسيح الدجال  خارج مكتوب بين عينيه كافر ، والأحاديث التي جاءت فيه ، والإيمان بأن ذلك كائن ،      [ ص: 179 ] وأن  عيسى ابن مريم   ينزل فيقتله بباب لد .  
والإيمان قول وعمل يزيد وينقص   كما جاء في الخبر : "  أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا     " .  
ومن  ترك الصلاة   فقد كفر ، وليس من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة ، من تركها فهو كافر ، وقد أحل الله قتله .  
وخير هذه الأمة بعد نبيها    أبو بكر الصديق  ، ثم   عمر بن الخطاب  ، ثم   عثمان بن عفان  ، نقدم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يختلفوا في ذلك ، ثم بعد هؤلاء الثلاثة أصحاب الشورى الخمس   علي بن أبي طالب  ،  وطلحة  ،  والزبير  ،   وعبد الرحمن بن عوف  ،  وسعد  ، كلهم يصلح للخلافة وكلهم إمام . ونذهب إلى حديث   ابن عمر     :  كنا نعد - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي وأصحابه متوافرون -  أبو بكر  ، ثم  عمر  ، ثم  عثمان  ، ثم نسكت     . ثم من بعد أصحاب الشورى :  أهل  بدر    من  المهاجرين   ، ثم  أهل  بدر    من  الأنصار   من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قدر الهجرة والسابقة أولا فأولا . ثم أفضل الناس بعد هؤلاء : أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرن      [ ص: 180 ] الذي بعث فيهم ، كل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه ، فهو من أصحابه ، له من الصحبة على قدر ما صحبه ، وكانت سابقته معه ، وسمع منه ونظر إليه نظرة ، فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه ، ولو لقوا الله بجميع الأعمال كان هؤلاء الذين صحبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ورأوه وسمعوا منه ومن رآه بعينه وآمن به ولو ساعة أفضل بصحبته من التابعين ولو عملوا كل أعمال الخير .  
والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر ، ومن ولي الخلافة فاجتمع الناس عليه ورضوا به . ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين .  
والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة   البر والفاجر لا يترك .  
وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماض ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم ،  ودفع الصدقات   إليهم جائزة ونافذة ، من دفعها إليهم أجزأت عنه برا كان أو فاجرا .  
 [ ص: 181 ] وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولى جائزة تامة ركعتين ، من أعادهما فهو مبتدع ، تارك للآثار ، مخالف للسنة ، ليس له من فضل الجمعة شيء إذا لم ير  الصلاة خلف الأئمة من كانوا برهم وفاجرهم   ، فالسنة أن تصلي معهم ركعتين ، من أعادهما فهو مبتدع ، وتدين بأنها تامة ، ولا يكن في صدرك من ذلك شك .  
ومن  خرج على إمام المسلمين   وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين ، وخالف الآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية .  
ولا يحل  قتال السلطان   ولا الخروج عليه لأحد من الناس ، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق .  
وقتال اللصوص  والخوارج   جائز إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله ، فله أن يقاتل عن نفسه وماله ويدفع عنها بكل ما يقدر عليه . وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم ولا يتبع آثارهم ، ليس لأحد إلا للإمام أو ولاة المسلمين ، إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك ، وينوي بجهده أن لا يقتل أحدا ، فإن أتى عليه في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول ، وإن قتل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجوت له الشهادة كما جاء في الأحاديث . وجميع الآثار في هذا إنما أمر بقتاله ولم يؤمر بقتله ولا اتباعه ، ولا يجيز عليه إن      [ ص: 182 ] صرع أو كان جريحا ، وإن أخذه أسيرا فليس له أن يقتله ولا يقيم عليه الحد ، ولكن يرفع أمره إلى من ولاه الله فيحكم فيه .  
ولا يشهد على أحد من أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار يرجو للصالح ، ويخاف عليه ، ويخاف على المسيء المذنب ، ويرجو له رحمة الله .  
ومن  لقي الله بذنب يجب له به النار تائبا غير مصر عليه   ؛ فإن الله - عز وجل - يتوب عليه ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات .  
ومن لقيه وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا فهو كفارته كما جاء الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم .  
ومن لقيه مصرا غير تائب من الذنوب التي قد استوجب بها العقوبة ، فأمره إلى الله - عز وجل - إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له .  
ومن لقيه كافرا عذبه ولم يغفر له .  
والرجم حق على من زنا   وقد أحصن إذا اعترف أو قامت عليه بينة ، وقد رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد رجمت الأئمة الراشدون .  
ومن  انتقص أحدا من أصحاب رسول الله      - صلى الله عليه وسلم - أو أبغضه لحدث كان منه أو ذكر مساوئه كان مبتدعا حتى يترحم عليهم جميعا ، ويكون قلبه لهم سليما .  
والنفاق   هو الكفر ، أن يكفر بالله ويعبد غيره ، ويظهر الإسلام في العلانية مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم .  
وهذه الأحاديث التي جاءت :  
 [ ص: 183 ]    "  ثلاث من كن فيه فهو منافق     " هذا على التغليظ ، نرويها كما جاءت ولا نفسرها .  
وقوله : "  لا ترجعوا بعدي كفارا ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض     "  
ومثل : "  إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار     "      [ ص: 184 ] ومثل : "  سباب المسلم فسوق وقتاله كفر     "  
ومثل : "  من قال لأخيه : يا كافر فقد باء بها أحدهما     "  
ومثل : "  كفر بالله تبرؤ من نسب ، وإن دق     " .  
ونحوه من الأحاديث مما قد صح وحفظ فإنا نسلم له وإن لم يعلم تفسيرها ، ولا يتكلم فيه ولا يجادل فيه ولا تفسر هذه الأحاديث إلا بمثل ما جاءت ، ولا نردها إلا بأحق منها .  
والجنة والنار   مخلوقتان ، قد خلقتا كما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم : "  دخلت الجنة فرأيت قصرا ، ورأيت الكوثر ، واطلعت في الجنة فرأيت لأهلها كذا ، واطلعت في النار فرأيت كذا ، ورأيت كذا     " فمن زعم أنهما لم تخلقا فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار .  
ومن مات من أهل القبلة موحدا يصلى عليه ويستغفر له ، ولا تترك      [ ص: 185 ] الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرا كان أو كبيرا ، وأمره إلى الله عز وجل     .  
				
						
						
