[ ص: 833 ] سياق  
ما روى النبي - صلى الله عليه وسلم - في ابتداء الوحي ، وصفته ، وأنه بعث وأنزل إليه وله أربعون سنة  
1406 - أخبرنا  عبيد الله بن أحمد  ، أخبرنا   الحسين بن إسماعيل  ، أخبرنا   يعقوب الدورقي  قال : ثنا   روح بن عبادة  قال : ثنا  هشام  قال : ثنا  عكرمة  عن : \ح\ :  
1407 - وأخبرنا  محمد بن الحسين الفارسي  ، أخبرنا  أبو مروان عبد الملك بن شاذان الجلاب     -  بمكة      - قال : ثنا   محمد بن إسماعيل الصائغ  قال : ثنا   روح بن عبادة  ، ثنا   هشام بن حسان  ، عن  عكرمة     : عن   ابن عباس  قال :  بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربعين سنة ، فمكث  بمكة   ثلاثة عشر يوحى إليه ، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة     .  
أخرجه   البخاري     .  
1408 - أخبرنا  محمد بن الحسين الفارسي  قال : أخبرنا  أحمد بن سعيد  قال : ثنا   محمد بن يحيى الذهلي  قال : ثنا  عبد الرزاق  ، عن  معمر  ، عن   الزهري  قال : أخبرني  عروة     : عن  عائشة     : \ح\ :  
1409 - وأخبرنا  عبد الرحمن بن محمد بن خيران  قال : ثنا   عبد الله بن محمد بن الأشقر  قال : ثنا  الحسين بن مهدي  قال : أخبرنا  عبد   [ ص: 834 ] الرزاق  قال : أخبرنا  معمر  ، عن   الزهري  ، قال أخبرني  عروة     : عن  عائشة  ، قالت :  أول ما بدأ به رسول الله      - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت به مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه - وقال  الحسين  في حديثه - الخلاء .  
فكان يأتي  حراء   فيتحنث فيه - وهو التعبد الليالي ذوات العدد - ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى   خديجة  فتزوده لمثلها حتى فجأه الحق ، وهو في غار حراء .  
فجاءه الملك   ، فقال : اقرأ . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني . فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني . فقال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ... ) حتى بلغ : ( ما لم يعلم ) . قال : فرجع بها يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة فقال لها :      [ ص: 835 ] زملوني زملوني ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال : يا   خديجة  ، ما لي ؟ فأخبرها الخبر ، وقال : قد خشيت علي . قالت له : كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق . ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به  ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي     - وهو ابن عم   خديجة  أخي أبيها - وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي قد كتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي .  
فقالت له   خديجة     : يا ابن عم ، اسمع من ابن أخيك . فقال ورقة : يا ابن أخي ، ما ترى ؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما رأى . فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على  موسى   يا ليتني أكون فيها جذعا أكون حيا حين يخرجوك قومك . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أو مخرجي هم ؟ قال  ورقة     : نعم لم يأت أحد قط بما جئت به إلا عودي ، وأوذي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا .  
ثم لم ينشب  ورقة  أن توفي وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال ، فكلما أوفى بذروة جبل كي يلقي نفسه منها تبدى له  جبريل      - عليه السلام - فقال : يا  محمد   ، إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه ، وتقر نفسه فيرجع .  
 [ ص: 836 ] فإذا طال عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ، فإذا أوفى بذروة جبل  تبدا له  جبريل       - عليه السلام - فيقول له مثل ذلك     . واللفظ لحديث  حسين بن مهدي     . أخرجه   البخاري  ومسلم من حديث  عبد الرزاق     .  
1410 - أخبرنا  علي بن محمد بن أحمد بن يعقوب  قال : أخبرنا   عبد الرحمن بن أبي حاتم  قال : قرئ على   يونس بن عبد الأعلى  أخبرنا  ابن وهب  أن  مالكا  ، حدثه   هشام بن عروة  ، عن أبيه : عن   عائشة أم المؤمنين  أن   الحارث بن هشام  سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ،  كيف يأتيك الوحي ؟   فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشد علي فيفصم عني ، وقد وعيت - قال : - وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول " . قالت  عائشة     : ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا     . أخرجه   البخاري  ومسلم     .  
1411 - أخبرنا  محمد بن الحسين الفارسي  قال : أخبرنا  أحمد بن سعيد الثقفي  قال : ثنا   محمد بن يحيى الذهلي  قال : ثنا  عبد الرزاق  ، عن      [ ص: 837 ] معمر  ، عن   الزهري  ، أخبرني  أبو سلمة  ، عن  جابر  قال :  سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحدث عن  فترة الوحي   فقال في حديثه : " فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء ، والأرض فجثيت منه رعبا . فرجعت ، فقلت : زملوني فدثروني فأنزل الله (  ياأيها المدثر      ) إلى قوله (  والرجز فاهجر      ) - وهي الأوثان - قبل أن تفرض الصلاة     " أخرجه   البخاري  ومسلم     .  
1412 - أخبرنا  أحمد بن عبيد  قال : أخبرنا   علي بن عبد الله بن مبشر  قال : ثنا   أحمد بن سنان  قال : ثنا   يزيد بن هارون  قال : ثنا   حماد بن سلمة  ، عن  عمار بن أبي عمار  ، عن   ابن عباس  قال :  أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  بمكة   خمس عشرة سنة : سبعا يرى الضوء ، ويسمع الصوت ، وثمانيا يوحى إليه ، وأقام  بالمدينة   عشرا     " . أخرجه  مسلم     .  
 [ ص: 838 ]    1413 - أخبرنا  علي بن محمد بن عمر  ، أخبرنا   عبد الرحمن بن أبي حاتم  قال : ثنا   أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان  قال : ثنا   عبد الله بن نمير  قال : ثنا  يزيد بن زياد بن أبي الجعد  قال : ثنا   أبو صخرة جامع بن شداد  عن  طارق المحاربي  قال :  رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين بسوق ذي المجاز وعليه جبة حمراء ، وهو ينادي بأعلى صوته : " يا أيها الناس ، قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا " ورجل يتبعه بالحجارة قد أدمى كعبيه وقدميه وهو يقول : يا أيها الناس ، لا تطيعوه فإنه كذاب . قلت : من هذا ؟ قالوا : غلام من  بني عبد المطلب      . قلت : من هذا الذي معه يتبعه يرميه ؟ قالوا : هذا عمه  عبد العزى - وهو أبو لهب     -     .  
1414 - أخبرنا   عيسى بن علي  قال : أخبرنا   عبد الله بن محمد البغوي  قال : ثنا   داود بن عمرو  قال : ثنا   ابن أبي الزناد  ، عن أبيه ، عن   ربيعة بن عباد     : \ح\ :  
1415 - وأخبرنا  علي بن محمد بن عمر  ، أخبرنا   عبد الرحمن بن أبي حاتم  قال : ثنا   يونس بن عبد الأعلى المصري  قال : أخبرنا  ابن وهب  ، قال :      [ ص: 839 ] أخبرني   ابن أبي الزناد  ، عن أبيه قال : أخبرني   ربيعة بن عباد     - رجل  بني الديل   وكان جاهليا فأسلم - قال :  رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية  بسوق ذي المجاز   وهو يمشي بين الناس وهو يقول : " يا أيها الناس ، قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا " . قال : مرارا يرددها والناس منقصفون عليه يتبعونه وإذا رجل أحول وضيء ذو غديرتين وضيء الوجه ، يقول : إنه صابئ كذاب .  
فسألت : من هذا وراءه ؟ قالوا لي : هذا عمه  أبو لهب     . قال لي  ربيعة     : وأنا يومئذ أزفر القربة لأهلي ، يقول : ذلك مبلغي يومئذ من السن     .  
1416 - أخبرنا  أحمد بن عمر بن محمد  قال : أخبرنا  عبد الله بن محمد بن زياد  قال : حدثني   محمد بن يحيى بن فارس  قال : ثنا  بهلول بن مورق أبو غسان  ، عن   محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ،  عن  سعيد بن خالد القارضي     .  
عن   ربيعة بن عباد  رأيت  أبا لهب  بعكاظ   وهو يتبع رسول الله      [ ص: 840 ]    - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا أيها الناس ، إن هذا فرعون فلا يصدنكم عن دين آبائكم ، وهم يلوذون به وهو على أثره ونحن نتبعه الغلمان كأني أنظر إليه أحول أبيض الناس وأجملهم     .  
1417 - أخبرنا  علي بن عمر بن إبراهيم  ، ثنا  إبراهيم بن منصور بن عبد الله الدبيلي  قال : ثنا   محمد بن علي بن زيد  قال : ثنا   سعيد بن منصور  قال : ثنا  الحارث بن عبيد الإيادي  ، عن   سعيد بن إياس الجريري  ، عن  عبد الله بن شقيق     : عن  عائشة  ، قالت :  كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرس فنزلت (  ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس      ) فأخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه من القبة وقال : " يا أيها الناس قد عصمني الله - عز وجل - من الناس     " .  
 [ ص: 841 ]    1418 - أخبرنا  عبيد الله بن أحمد  ، أخبرنا   الحسين بن إسماعيل  قال : ثنا   يوسف بن موسى  قال : ثنا   جعفر بن عون  ، ثنا  سفيان     : \ح\ :  
1419 - وأخبرنا  محمد بن عبد الله بن الحسين  ، أخبرنا  جعفر بن أحمد بن كعب الخزاز  قال : ثنا   علي بن حرب  قال : ثنا   جعفر بن عون  قال : ثنا   سفيان الثوري  ، عن  أبي إسحاق  ، عن  عمرو بن ميمون     : عن   عبد الله بن مسعود  ، قال : (  كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في ظل  الكعبة   فقال  أبو جهل     - لعنه الله - وأناس من  قريش   وقد نحر جزور ورمي ناحية  مكة      ... فأوتي بسلاها فطرحت بين كتفيه فجاءت  فاطمة  فطرحته عنه      ) .  
فلما انصرف - وكان يستحب الثلاث - قال : "  اللهم عليك  بقريش   ثلاثا  بأبي جهل بن هشام  ،  وبعتبة بن ربيعة  ،  وشيبة بن ربيعة   ،   والوليد بن عتبة  ،  وبأمية بن خلف  ،  وبعقبة بن أبي معيط     " . قال  عبد الله     : فلقد رأيتهم قتلى في قليب  بدر      . أخرجاه جميعا .  
 [ ص: 842 ]    1420 - أخبرنا   عيسى بن علي  ، أخبرنا   عبد الله بن محمد البغوي  قال : ثنا   خلف بن هشام  قال : ثنا  داود بن عبد الرحمن العطار  قال : ثنا  عبد الله بن عثمان بن خثيم  ، عن   أبي الزبير محمد بن مسلم  أنه حدثه   جابر بن عبد الله     : \ح\ :  
1421 - وأخبرنا  أحمد بن عبيد  ، أنا   علي بن عبد الله بن مبشر  ، ثنا   أحمد بن سنان  ، ثنا   عبد الأعلى بن حماد  ، ثنا  داود بن عبد الرحمن العطار  ، ثنا  ابن خثيم  ، عن   أبي الزبير محمد بن مسلم  ، أنه : حدثه   جابر بن عبد الله     :  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبث - في حديث خلف  مكث - عشر سنين يتبع الحاج في منازلهم في الموسم بمجنة ،  وعكاظ   ومنازلهم  بمنى       : " من يؤويني وينصرني حتى أبلغ رسالات ربي فله الجنة " . ، فلا يجد أحدا يؤويه وينصره حتى إن الرجل ليدخل صاحبه من  مصر   واليمن   فيأتيه قومه ، أو ذو رحمه فيقولون : احذر فتى  قريش   لا يفتنك ، يمشي بين رجالهم يدعوهم إلى الله ، يشيرون إليه بأصابعهم حتى بعثنا الله له من يثرب فيأتيه الرجل منا فيؤمن به - زاد  عبد الأعلى     : فيقرئه القرآن - فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من  يثرب   إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام .  
ثم بعثنا الله فائتمرنا واجتمع سبعون رجلا منا ، فقلنا : حتى متى نرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زاد  عبد الأعلى  يطوف في جبال  مكة      - ويخاف ، فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم فواعدنا شعب العقبة .  
 [ ص: 843 ] فاجتمعنا فيه من رجل ورجلين حتى توافينا عنده ، فقلنا : يا رسول الله ، علام نبايعك ؟ قال : "  تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط   ، والكسل وعلى النفقة في العسر ، واليسر وعلى الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم فيه لومة لائم ، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب ، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم ، وأزواجكم وأبناءكم ، ولكم الجنة " . فقمنا نبايعه ، وأخذ بيده   أسعد بن زرارة     - وهو أصغر السبعين رجلا إلا أنا - فقال : رويدا يا أهل  يثرب   ، إنه لم تضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله عند إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة ، وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف ، فإما أنتم تصبرون على عض السيوف إذا مستكم ، وعلى قتل خياركم ، وعلى مفارقة العرب كافة فخذوه ، وأجركم على الله .  
- وفي حديث  عبد الأعلى     : أجركم على الله - . وإما أنتم تخافون أنفسكم خيفة فذروه فهو عذر لكم عند الله . قالوا : أمط عنا يدك يا  سعد بن زرارة  ، فوالله لا نذر هذه البيعة ، ولا نستقيلها . فقمنا إليه نبايعه رجلا فرجلا فيأخذ علينا شرطه ويعطينا على ذلك الجنة     .  
 [ ص: 844 ]    1422 - أخبرنا  محمد بن الحسين الفارسي  قال : أخبرنا  أحمد بن سعيد الثقفي  قال : ثنا   محمد بن يحيى الذهلي  قال : ثنا  عبد الرزاق  قال : أخبرنا  معمر  ، عن   الزهري  ، أخبرني   عروة بن الزبير     :  أن  عائشة  قالت : لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر علينا يوم إلا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتينا فيه طرفي النهار بكرة ، وعشيا ،  فلما ابتلي المسلمون خرج  أبو بكر  مهاجرا قبل أرض  الحبشة    حتى إذا بلغ  برك الغماد   ولقيه  ابن الدغنة  وهو سيد القارة : فقال  ابن الدغنة     : أين تريد يا  أبا بكر  ؟ فقال  أبو بكر     : أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي . فقال  ابن الدغنة     : فإن مثلك يا  أبا بكر  لا يخرج ولا يخرج ؛ إنك تكسب المعدم ، وتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، فأنا لك جار ، فارجع فاعبد ربك ببلدك .  
فارتحل  ابن الدغنة  فرجع مع  أبي بكر     . فطاف  ابن الدغنة  في كفار  قريش   فقال : إن  أبا بكر  لا يخرج ولا يخرج ، تخرجون رجلا يكسب المعدم ، ويصل الرحم ، ويحمل الكل ، ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق ؟ فأنفذت  قريش   جوار ابن الدغنة وأمنوا  أبا بكر  ، وقالوا  لابن الدغنة     : مر  أبا بكر  فليعبد ربه في داره ، وليصل فيها ما شاء بفناء داره .  
فكان يصلي فيه ويقرأ فيتقصف عليه نساء  قريش   وأبناؤهم متعجبون ، وينظرون إليه ، وكان  أبو بكر  رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف  قريش   فأرسلوا إلى  ابن الدغنة  فقدم عليهم .  
 [ ص: 845 ] فقالوا : إنما أجرنا  أبا بكر  على أن يعبد ربه في داره ، وإنه قد جاوز ذلك وابتنى مسجدا بفناء داره ، وأعلى الصلاة والقرآن ، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا ، فإنه إن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل ، وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فتسأله أن يرد عليك ذمتك فإنا كرهنا أن نخفرك ، ولسنا مقرين  لأبي بكر  الاستعلان .  
قالت  عائشة     : فأتى  أبا بكر  ابن الدغنة  فقال : يا  أبا بكر  ، قد علمت الذي عقدت لك عليه ، فإما أن تقتصر على ذلك ، وإما أن ترجع إلي ذمتي ؛ فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في عقد رجل عقدت له .  
فقال  أبو بكر     : فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله ورسوله ، ورسول الله يومئذ  بمكة      . أخرجه   البخاري  ومسلم     .  
1423 - أخبرنا  عبد الله بن محمد بن أحمد  ،  وعبد الرحمن بن عمر بن أحمد     - واللفظ له - قالا : أخبرنا  عبد الله بن أحمد بن إسحاق المصري  قال : ثنا  الربيع بن سليمان  قال : حدثنا   عبد الله بن وهب  ، أخبرنا   سليمان بن بلال  ، حدثني   شريك بن عبد الله بن أبي نمر  ، قال :  سمعت   أنس بن مالك  يحدثنا عن ليلة أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مسجد  الكعبة      : " أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في  المسجد الحرام      .  
فقال أولهم : هو هو ؟      [ ص: 846 ] وقال أوسطهم : هو خيرهم . وقال آخرهم : خذوا خيرهم . فكانت تلك . فلم يرهم حتى جاءوا إليه ليلة أخرى فلم يعلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر  زمزم   ، فتولاه منهم  جبريل   فشق  جبريل      - عليه السلام - ما بين نحره إلى لبته  حتى فرغ من صدره وجوفه   فغسله من ماء  زمزم   حتى أنقى جوفه ، ثم أتى بطست من ذهب فيه نور من ذهب محشوا إيمانا وحكمة ، فحشا به صدره وجوفه وعاد يده ، ثم أطبقه .  
ثم  عرج به إلى السماء الدنيا   فضرب بابا من أبوابها فناداه أهل السماء من هذا ؟ قال : هذا  جبريل      . قالوا : ومن معك ؟ قال :  محمد      - صلى الله عليه وسلم - . قالوا : بعث إليه ؟ قال : نعم . قالوا : مرحبا وأهلا ، استبشر أهل السماء لا يعلم أهل السماء ما يريد الله في الأرض حتى يعلمهم ، فوجد في سماء الدنيا آدم فقال جبريل : هذا أبوك آدم ، فسلم عليه فرد عليه ، وقال : مرحبا وأهلا بابني فنعم الابن أنت .  
فإذا هم في السماء الدنيا بنهرين يطردان ، فقال : ما هذان النهران يا  جبريل   ؟ قال :  هذان  النيل   والفرات       - عنصراهما - . ثم مضى به في السماء ، فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ      [ ص: 847 ] وزبرجد فيذهب يشم ترابه فإذا هو مسك . قال : يا  جبريل   ما هذا النهر ؟ قال :  هذا الكوثر الذي خبأ لك تعالى ذكره      . ثم عرج به إلى السماء الثانية ، فقالت له الملائكة مثل ما قالت له في الأولى : من هذا معك ؟ قال :  محمد      . قالوا : أوقد بعث ؟ قال : نعم . قالوا : مرحبا به وأهلا . ثم عرج به إلى السماء الثالثة . فقالوا مثل ما قيل له في المرة الأولى والثانية . ثم عرج به إلى الرابعة . فقالوا له مثل ذلك . ثم عرج به إلى الخامسة . فقالوا مثل ذلك . ثم عرج إلى السادسة . فقالوا له مثل ذلك . ثم عرج به إلى السابعة . فقالوا له مثل ذلك . وكل سماء فيها أنبياء - وسماهم  أنس     - فوعيت منهم :  إدريس   في الثانية ،  وهارون   في الرابعة ، وآخر في الخامسة ، لم أحفظ اسمه ،  وإبراهيم    [ ص: 848 ] في السادسة ،  وموسى   في السابعة - بفضل كلام الله - عز وجل - له - فقال  موسى      : لم أظن أن يرفع علي أحد ، ثم علا به فيما لا يعلمه إلا الله حتى جاء به سدرة المنتهى . ودنا الجبار رب العزة وعلا فتدلى حتى كان منه قاب قوسين ، أو أدنى . فأوحى إليه خمسين صلاة على أمته كل يوم وليلة . ثم هبط حتى بلغ  موسى   واحتبسه فقال : يا  محمد   ، ما عهد إليك ربك ؟ قال : عهد إلي خمسين صلاة على أمتي كل يوم وليلة . قال : إن أمتك لا تستطيع فارجع فليخفف عنك وعنهم . فالتفت إلى  جبريل   يستشيره في ذلك فأشار إليه : أن نعم إن شئت . فعلا به  جبريل      - عليه السلام - حتى أتى الجبار تبارك وتعالى ، وهو في مكانه ، فقال : يا رب خفف عنا ؛ فإن أمتي لا تستطيع . فوضع عنه عشر صلوات . ثم رجع إلى  موسى   فاحتبسه فلم يزل يردده  موسى   إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات احتبسه عند الخامسة ، فقال : يا  محمد   ، قد والله راودت  بني إسرائيل   على أدنى من هذه الخمسة فضيعوه ، وتركوه ، وأمتك أضعف أجسادا ، وقلوبا ، وأبصارا ، وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك .  
كل ذلك يلتفت إلى  جبريل   يستشيره ، فلا يكره ذلك  جبريل   فيرفعه فرفعه عند الخامسة ، فقال : يا رب ، إن أمتي ضعاف أجسادهم ، وقلوبهم ، وأسماعهم ، وأبصارهم فخفف عنا .  
 [ ص: 849 ] فقال تبارك وتعالى : " إني لا يبدل القول لدي ، هي كما كتبت عليك في أم الكتاب ، ولك بكل حسنة عشر أمثالها وهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس " . فرجع إلى  موسى   فقال : كيف فعلت ؟ قال : خفف عنا ، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها. فقال : قد والله راودت  بني إسرائيل   على أدنى من هذه فتركوه فارجع فليخفف عنك أيضا . قال : قد والله استحييت من ربي - عز وجل - مما أختلف إليه . قال : فاهبط بسم الله     . أخرجاه جميعا .  
				
						
						
