المسألة الثانية :  أنه - صلى الله عليه وسلم - بلغ جميع ما أرسل به   ، لم يكتم منه حرفا واحدا ، قال الله تعالى :  يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس      ( المائدة 67 ) .  
وفي الصحيحين ، عن   أبي هريرة     - رضي الله عنه - قال :  قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ، فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ، ثم قال : لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء ، يقول : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح ، فيقول : يا رسول الله أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق ، فيقول : يا رسول الله أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت ، فيقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك     .  
وفي صحيح  مسلم  من حديث  جابر  الطويل قوله - صلى الله عليه وسلم :  وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله ، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء      [ ص: 1109 ] وينكتها إلى الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، ثلاث مرات  ، الحديث .  
وفيهما من حديث   ابن عباس  في ذلك الجمع الأعظم حين خطب :  اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت ؟  ومن حديث  أبي بكرة  في تلك الخطبة أيضا :  ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد ، فليبلغ الشاهد الغائب ، فرب مبلغ أوعى من سامع     . وفي صحيح   البخاري  من رواية   أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي  قال : قلت   لعلي بن أبي طالب     - رضي الله عنه : هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن ؟ فقال : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن ، وما في هذه الصحيفة . قلت : وما في هذه الصحيفة ؟ قال : العقل ، وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر     .  
وفيه من رواية   الأعمش  ، عن   إبراهيم التيمي  ، عن أبيه ،  عن  علي     - رضي الله عنه - قال : ما عندنا شيء إلا كتاب الله ، وهذه الصحيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم :  المدينة   حرم ما بين عير إلى كذا ، من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين  ، الحديث . وفي رواية قال :  خطبنا  علي     - رضي الله عنه - على منبر من آجر ، وعليه سيف فيه صحيفة معلقة ، فقال : والله ما عندنا من كتاب يقرأ إلا كتاب الله ، وما في هذه الصحيفة فنشرها ، فإذا فيها أسنان الإبل ، وإذا فيها :  المدينة   حرم من عير إلى كذا ، فمن أحدث فيها حدثا ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا . وإذا فيه : ذمة المسلمين واحدة ، يسعى بها أدناهم ، فمن أخفر مسلما ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا . وإذا فيها : من والى قوما بغير إذن مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا     .  
 ولابن أبي حاتم  ، عن  هارون بن عنترة  ، عن أبيه قال :  كنت      [ ص: 1110 ] عند   ابن عباس  ، فجاء رجل فقال له : إن أناسا يأتون فيخبرونا أن عندكم شيئا لم يبده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للناس . فقال   ابن عباس     : ألم تعلم أن الله تعالى قال :  يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته      ( المائدة 67 ) ، والله ، ما ورثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوداء في بيضاء     . وإسناده جيد .  
وتقدم قول  عائشة     - رضي الله عنها - قالت : من حدثك أن  محمدا      - صلى الله عليه وسلم - كتم شيئا مما أنزل عليه ، فقد كذب ، والله تعالى يقول :  يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك      ( المائدة 67 ) الآية .  
				
						
						
