الطائفة الثالثة :  الاتحادية وهم القائلون : إن الوجود بأسره هو الحق ، وأن الكثرة وهم   ، بل جميع الأضداد المتقابلة ، والأشياء المتعارضة ، الكل شيء واحد ، هو معبودهم في زعمهم ، وهم طائفة  ابن عربي الطائي  صاحب الفتوحات المكية ، وفصوص الحكم ، وغيرهما مما حرف فيه الكلم عن مواضعه ، وتلاعب فيه بمعاني الآيات ، وأتى بكفر لا يشبه كفر اليهود الذين قالوا : عزير ابن الله ، ولا  النصارى   الذين قالوا :  المسيح   ابن الله ، وقالوا هو الله ، وقالوا ثالث ثلاثة ،  فإن  النصارى   وأشباههم خصوا الحلول والاتحاد بشخص معين   ، وهؤلاء جعلوا الوجود بأسره على اختلاف أنواعه وتقابل أضداده مما لا يسوغ التلفظ بحكايته هو المعبود ،      [ ص: 371 ] فلم يكفر هذا الكفر أحد الناس ، وكان هذا المذهب الذي انتحله  ابن عربي  ، ونظمه   ابن الفارض  في تائيته ( نظم السلوك ) ، وأصل هذا المذهب الملعون انتحله  ابن سبعين عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن محمد بن نصر بن محمد بن قطب الدين أبو محمد المقدسي الرقوطي  ، نسبة إلى  رقوطة   بلدة قريبة من  مرسية   ، ولد سنة أربع عشرة وستمائة ، واشتغل بعلم الأوائل والفلسفة ، فتولد له الإلحاد من ذلك وصنف فيه ، وكان يعرف السيمياء ، ويلبس بذلك على الأغبياء من الأمراء والأغنياء ، ويعلم أنه حال من أحوال القوم ، وله من المصنفات كتاب البدو ، وكتاب الهو . وقد أقام  بمكة   ، واستحوذ على عقل صاحبها  أبي نمي  ، وجاور في بعض الأوقات  بغار حراء   يرتجي فيه الوحي أن ينزل عليه كما أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بناء على ما يعتقده من العقيدة الفاسدة من أن النبوة مكتسبة ، وأنها فيض يفيض على العقل إذا صفا ، فما حصل له إلا الخزي في الدنيا والآخرة إن كان مات على ذلك ، وكان إذا رأى الطائفين حول البيت يقول عنهم كأنهم الحمير حول المدار ، وأنهم لو طافوا به كان أفضل من طوافهم بالبيت ، فالله يحكم فيه وفي أمثاله ، وقد نقلت عنه عظائم من الأقوال والأفعال ، توفي يوم ثمانية وعشرين من شوال سنة تسع وستين وستمائة .  
				
						
						
