الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
( وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة ، ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات ، حتى سلبوا العبد قدرته واختياره ، ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها ) .
ش nindex.php?page=treesubj&link=28778وضل في القدر طائفتان ؛ كما تقدم : [ ص: 262 ] الطائفة الأولى : nindex.php?page=treesubj&link=28778_30239القدرية نفاة القدر ، الذين هم مجوس هذه الأمة ؛ كما ورد ذلك في بعض الأحاديث مرفوعا وموقوفا ، وهؤلاء ضلوا بالتفريط وإنكار القدر ، وزعموا أنه لا يمكن الجمع بين ما هو ثابت بالضرورة من اختيار العبد في فعله ومسئوليته عنه ، وبين ما دلت عليه النصوص من عموم خلقه تعالى ومشيئته ؛ لأن ذلك العموم في زعمهم إبطال لمسئولية العبد عن فعله ، وهدم للتكاليف ، فرجحوا جانب الأمر والنهي ، وخصصوا النصوص الدالة على عموم الخلق والمشيئة بما عدا أفعال العباد ، وأثبتوا أن العبد خالق لفعله بقدرته وإرادته ، فأثبتوا خالقين غير الله ، ولهذا سموا nindex.php?page=treesubj&link=28829_30239مجوس هذه الأمة ؛ لأن المجوس يزعمون أن الشيطان يخلق الشر والأشياء المؤذية ، فجعلوه خالقا مع الله ، فكذلك هؤلاء جعلوا العباد خالقين مع الله .
[ ص: 263 ] nindex.php?page=treesubj&link=28778والطائفة الثانية : يقال لها : الجبرية ، وهؤلاء غلوا في إثبات القدر ، حتى أنكروا أن يكون للعبد فعل حقيقة ، بل هو في زعمهم لا حرية له ، ولا اختيار ، ولا فعل ؛ كالريشة في مهب الرياح ، وإنما تسند الأفعال إليه مجازا ، فيقال : صلى ، وصام ، وقتل ، وسرق ؛ كما يقال : طلعت الشمس ، وجرت الريح ، ونزل المطر ، فاتهموا ربهم بالظلم وتكليف العباد بما لا قدرة لهم عليه ، ومجازاتهم على ما ليس من فعلهم ، واتهموه بالعبث في تكليف العباد ، وأبطلوا الحكمة من الأمر والنهي ، ألا ساء ما يحكمون .