قال في التوراة في السفر الخامس : أقبل الله من سيناء ، وتجلى من ساعير ، وظهر من جبال فاران ، ومعه ربوات الأطهار عن يمينه ، وهذه متضمنة للنبوات الثلاثة : نبوة
موسى ، ونبوة
عيسى ، ونبوة
محمد صلى الله عليه وسلم .
فمجيئه من سيناء وهو الجبل الذي كلم الله
موسى ونبأه عليه إخبار عن نبوته .
وتجليه من ساعير هو مظهر
عيسى المسيح من
بيت المقدس ،
وساعير : قرية معروفة هناك إلى اليوم ، وهذه بشارة بنبوة
المسيح .
وفاران : هي
مكة ، وشبه سبحانه وتعالى نبوة
موسى بمجيء الصبح ، وفلقه ، ونبوة
المسيح بعدها بإشراقه وضيائه ، ونبوة خاتم النبيين بعدهما صلى الله عليه وسلم باستعلان الشمس
[ ص: 320 ] وظهورها وظهور ضوئها في الآفاق ، ووقع الأمر كما أخبر به سواء ، فإن الله صدع بنبوة
موسى ليل الكفر فأضاء فجره بنبوته ، وزاد الضياء والإشراق بنبوة
المسيح ، وكمل الضياء واستعلن وطبق الأرض بنبوة
محمد صلى الله عليه وسلم .
وذكر هذه النبوات الثلاثة التي اشتملت عليها هذه البشارة نظير ذكرها في أول سورة التين
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=1والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين
فذكر أمكنة هؤلاء الأنبياء وأرضهم التي خرجوا منها ،
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=1والتين والزيتون : المراد به منبتهما وأرضهما ، وهي الأرض المقدسة التي هي مظهر
المسيح ،
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=2وطور سينين الجبل الذي كلم الله عليه
موسى فهو مظهر نبوته ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=3وهذا البلد الأمين :
مكة ، حرم الله وأمنه التي هي مظهر نبوة
محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين .
فهذه الثلاثة نظير تلك الثلاثة سواء .
قالت اليهود : فاران هي أرض
الشام وليست أرض
الحجاز ، وليس هذا ببدع من بهتهم وتحريفهم ، وعندهم في التوراة : أن
إسماعيل لما فارق أباه سكن في برية
فاران ، هكذا نطقت التوراة ولفظها ( وأقام
إسماعيل في برية
فاران وأنكحته أمه امرأة من أرض
مصر ) .
ولا يشك علماء أهل الكتاب أن
فاران مسكن لآل
إسماعيل ، فقد تضمنت التوراة نبوة تنزل بأرض
فاران ، وتضمنت نبوة تنزل على عظيم من ولد
إسماعيل ، وتضمنت انتشار أمته وأتباعه حتى يملئوا السهل والجبل ، كما سنذكره إن شاء الله .
ولم يبق بعد هذا شبهة أصلا أن هذه هي نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم التي نزلت
بفاران على أشرف ولد
إسماعيل حتى ملأ الأرض ضياء ونورا ، وملأ أتباعه السهل والجبل ،
[ ص: 321 ] ولا يكثر على الشعب الذي نطقت التوراة بأنهم عادمو الرأي والفطانة أن ينقسموا إلى جاهل بذلك وجاحد مكابر معاند .
ولفظ التوراة فيهم : أنهم الشعب عادم الرأي ، وليس فيهم فطانة .
ويقال لهؤلاء المكابرين : أي نبوة خرجت من
الشام فاستعلنت استعلان ضياء الشمس ، وظهرت فوق ظهور النبوتين قبلها ؟ ! وهل هذا إلا بمنزلة مكابرة من يرى الشمس قد طلعت من المشرق فيغالط ويكابر ويقول بل طلعت من المغرب ؟
قَالَ فِي التَّوْرَاةِ فِي السِّفْرِ الْخَامِسِ : أَقْبَلَ اللَّهُ مِنْ سَيْنَاءَ ، وَتَجَلَّى مِنْ سَاعِيرَ ، وَظَهَرَ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ ، وَمَعَهُ رَبْوَاتُ الْأَطْهَارُ عَنْ يَمِينِهِ ، وَهَذِهِ مُتَضَمِّنَةٌ لِلنُّبُوَّاتِ الثَّلَاثَةِ : نُبُوَّةِ
مُوسَى ، وَنُبُوَّةِ
عِيسَى ، وَنُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَمَجِيئُهُ مِنْ سَيْنَاءَ وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ
مُوسَى وَنَبَأَهُ عَلَيْهِ إِخْبَارٌ عَنْ نُبُوَّتِهِ .
وَتَجَلِّيهِ مِنْ سَاعِيرَ هُوَ مَظْهَرُ
عِيسَى الْمَسِيحِ مِنْ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ،
وَسَاعِيرُ : قَرْيَةٌ مَعْرُوفَةٌ هُنَاكَ إِلَى الْيَوْمِ ، وَهَذِهِ بِشَارَةٌ بِنُبُوَّةِ
الْمَسِيحِ .
وَفَارَانُ : هِيَ
مَكَّةُ ، وَشَبَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نُبُوَّةَ
مُوسَى بِمَجِيءِ الصُّبْحِ ، وَفَلْقِهِ ، وَنُبُوَّةَ
الْمَسِيحِ بَعْدَهَا بِإِشْرَاقِهِ وَضِيَائِهِ ، وَنُبُوَّةَ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ بَعْدَهُمَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاسْتِعْلَانِ الشَّمْسِ
[ ص: 320 ] وَظُهُورِهَا وَظُهُورِ ضَوْئِهَا فِي الْآفَاقِ ، وَوَقَعَ الْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ سَوَاءً ، فَإِنَّ اللَّهَ صَدَعَ بِنُبُوَّةِ
مُوسَى لَيْلَ الْكُفْرِ فَأَضَاءَ فَجْرَهُ بِنُبُوَّتِهِ ، وَزَادَ الضِّيَاءُ وَالْإِشْرَاقُ بِنُبُوَّةِ
الْمَسِيحِ ، وَكَمُلَ الضِّيَاءُ وَاسْتَعْلَنَ وَطَبَقَ الْأَرْضَ بِنُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَذِكْرُ هَذِهِ النُّبُوَّاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا هَذِهِ الْبِشَارَةُ نَظِيرُ ذِكْرِهَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ التِّينِ
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=1وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ
فَذَكَرَ أَمْكِنَةَ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَرْضَهُمُ الَّتِي خَرَجُوا مِنْهَا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=1وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ : الْمُرَادُ بِهِ مَنْبَتُهُمَا وَأَرْضُهُمَا ، وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ الَّتِي هِيَ مَظْهَرُ
الْمَسِيحِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=2وَطُورِ سِينِينَ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ
مُوسَى فَهُوَ مَظْهَرُ نُبُوَّتُهُ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=3وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ :
مَكَّةُ ، حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ الَّتِي هِيَ مَظْهَرُ نُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .
فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ نَظِيرُ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ سَوَاءٌ .
قَالَتِ الْيَهُودُ : فَارَانُ هِيَ أَرْضُ
الشَّامِ وَلَيْسَتْ أَرْضَ
الْحِجَازِ ، وَلَيْسَ هَذَا بِبِدْعٍ مَنْ بَهْتِهِمْ وَتَحْرِيفِهِمْ ، وَعِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ : أَنَّ
إِسْمَاعِيلَ لَمَّا فَارَقَ أَبَاهُ سَكَنَ فِي بَرِّيَّةِ
فَارَانَ ، هَكَذَا نَطَقَتِ التَّوْرَاةُ وَلَفْظُهَا ( وَأَقَامَ
إِسْمَاعِيلُ فِي بَرِّيَّةِ
فَارَانَ وَأَنْكَحَتْهُ أُمُّهُ امْرَأَةً مِنْ أَرْضِ
مِصْرَ ) .
وَلَا يَشْكُ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّ
فَارَانَ مَسْكَنٌ لِآلِ
إِسْمَاعِيلَ ، فَقَدْ تَضَمَّنَتِ التَّوْرَاةُ نُبُوَّةً تَنْزِلُ بِأَرْضِ
فَارَانَ ، وَتَضَمَّنَتْ نُبُوَّةً تَنْزِلُ عَلَى عَظِيمٍ مِنْ وَلَدِ
إِسْمَاعِيلَ ، وَتَضَمَّنَتِ انْتِشَارَ أُمَّتِهِ وَأَتْبَاعِهِ حَتَّى يَمْلَئُوا السَّهْلَ وَالْجَبَلَ ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ هَذَا شُبْهَةٌ أَصْلًا أَنَّ هَذِهِ هِيَ نُبُوَّةُ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي نَزَلَتْ
بِفَارَانَ عَلَى أَشْرَفِ وَلَدِ
إِسْمَاعِيلَ حَتَّى مَلَأَ الْأَرْضَ ضِيَاءً وَنُورًا ، وَمَلَأَ أَتْبَاعُهُ السَّهْلَ وَالْجَبَلَ ،
[ ص: 321 ] وَلَا يَكْثُرُ عَلَى الشَّعْبِ الَّذِي نَطَقَتِ التَّوْرَاةُ بِأَنَّهُمْ عَادِمُو الرَّأْيِ وَالْفَطَانَةِ أَنْ يَنْقَسِمُوا إِلَى جَاهِلٍ بِذَلِكَ وَجَاحِدٍ مُكَابِرٍ مُعَانِدٍ .
وَلَفْظُ التَّوْرَاةِ فِيهِمْ : أَنَّهُمُ الشَّعْبُ عَادِمُ الرَّأْيِ ، وَلَيْسَ فِيهِمْ فَطَانَةٌ .
وَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَابِرِينَ : أَيُّ نُبُوَّةٍ خَرَجَتْ مِنَ
الشَّامِ فَاسْتَعْلَنَتِ اسْتِعْلَانَ ضِيَاءِ الشَّمْسِ ، وَظَهَرَتْ فَوْقَ ظُهُورِ النُّبُوَّتَيْنِ قَبْلَهَا ؟ ! وَهَلْ هَذَا إِلَّا بِمَنْزِلَةِ مُكَابَرَةِ مَنْ يَرَى الشَّمْسَ قَدْ طَلَعَتْ مِنَ الْمَشْرِقِ فَيُغَالِطُ وَيُكَابِرُ وَيَقُولُ بَلْ طَلَعَتْ مِنَ الْمَغْرِبِ ؟