( فصل ) : وهذا الذي ذكره ابن قتيبة وغيره من ، من تأمل التوراة وجدها ناطقة به صريحا فيه ، فإن فيها " وغدا علماء المسلمين إبراهيم فأخذ الغلام وأخذ خبزا وسقاء من ماء [ ص: 348 ] ودفعه إلى هاجر وحمله عليها ، وقال لها : اذهبي ، فانطلقت هاجر ، ونفذ الماء الذي كان معها ، فطرحت الغلام تحت شجرة ، وجلست مقابلته على مقدار رمية حجر ، لئلا تبصر الغلام حين يموت ، ورفعت صوتها بالبكاء ، وسمع الله صوت الغلام ، وحيث هو فقال لها الملك : قومي واحملي الغلام ، وشدي يديك به ، فإني جاعله لأمة عظيمة ، فتح الله عينيها ، فرأت بئر ماء ، فسقت الغلام وملأت سقاءها ، وكان الله مع الغلام ، فربي وسكن في برية فاران .
( فهذا نص التوراة أن إسماعيل ربي وسكن في برية فاران بعد أن كاد يموت من العطش ، وأن الله تعالى سقاه من بئر ماء ، وقد علم بالتواتر واتفاق الأمم أن إسماعيل إنما ربي بمكة هو وأبوه إبراهيم بنيا البيت ، فعلم قطعا أن فاران هي أرض مكة .
( فصل ) : ومثل هذه البشارة من كلام شمعون مما قبلوه ورضوا ترجمته : جاء الله من جبال فاران ، وامتلأت الأرض من تسبيحه وتسبيح أمته ، ولم يخرج أحد قط من جبال فاران ، امتلأت الأرض من تسبيحه وتسبيح أمته سوى محمد صلى الله عليه وسلم : فإن المسيح لم يكن بأرض فاران ألبتة ، وموسى إنما كلم من الطور ، والطور ليس من أرض فاران ، وإن كانت البرية التي بين مكة والطور تسمى برية فاران ، فلم ينزل الله فيها التوراة ، وبشارة التوراة قد تقدمت بجبل الطور ، وبشارة الإنجيل بجبل ساعير .
[ ص: 349 ] ( فصل ) : ونظير هذا ما نقلوه ورضوا ترجمته في نبوة حبقوق ، ( جاء الله من اليمن ) ، وظهر ( ببيت المقدس والقدوس ) على جبال فاران ، وامتلأت الأرض من تحميد أحمد ، وملك بيمينه رقاب الأمم ، وأنارت الأرض لنوره ، وحملت خيله في البحر .
قال ابن قتيبة : وزاد فيه بعض أهل الكتاب ( وستنزع في قسيك أعراقا وترتوي إلهاما بأمرك يا محماد ارتواء .
وهذا إفصاح باسمه وصفاته ، فإن ادعوا أنه غيره ، فمن أحمد هذا الذي امتلأت الأرض من تحميده ، والذي جاء من جبال فاران فملك رقاب الأمم ؟