في الكتب المتقدمة عرفت من عدة طرق : والأخبار والبشارة بنبوته صلى الله عليه وسلم
( أحدها ) ما ذكرناه ، وهو قليل من كثير وغيض من فيض .
( الثاني ) إخباره صلى الله عليه وسلم لهم أنه مذكور عندهم ، وأنهم وعدوا به ، وأن الأنبياء بشرت به ، واحتجاجه عليهم بذلك ، ولو كان هذا الأمر لا وجود له ألبتة ، لكان مغريا لهم بتكذيبه منفرا لأتباعه محتجا على دعواه بما يشهد ببطلانها .
( الثالث ) أن هاتين الأمتين معترفون بأن الكتب القديمة بشرت بنبي عظيم الشأن ، يخرج في آخر الزمان ، نعته كيت وكيت ، وهذا مما اتفق عليه المسلمون واليهود والنصارى ، فأما المسلمون فلما جاءهم آمنوا به وصدقوه ، وعرفوا أنه الحق من ربهم . وأما اليهود فعلماؤهم عرفوه وتيقنوا أنه محمد بن عبد الله ، فمنهم من آمن به ومنهم من جحد نبوته ، وقال للأتباع : إنه لم يخرج بعد .
وأما النصارى فوضعوا بشارات التوراة والنبوات التي بعدها على المسيح ، ولا ريب أن بعضها صريح فيه ، وبعضها ممتنع حمله عليه ، وبعضها محتمل .
وأما بشارات المسيح فحملوها كلها على الحواريين ، وإذا جاءهم ما يستحيل انطباقه عليهم ، حرفوه أو سكتوا عنه ، وقالوا : لا ندري من المراد به .
( الرابع ) اعتراف من أسلم منهم بذلك ، وأنه صريح في كتبهم ، وعن المسلمين [ ص: 415 ] الصادقين منهم تلقى المسلمون هذه البشارات وتيقنوا صدقها بشهادة المسلمين منهم بها ، مع تباين أعصارها وأمصارها وكثرتهم واتفاقهم على لفظها ، وهذا يفيد القطع بصحتها ولو لم يقر بها أهل الكتاب ، فكيف وهم مقرون بها لا يجحدونها وإنما يغالطون في تأويلها والمراد بها ؟ ! وكل واحد من هذه الطرق الأربعة كاف في العلم بصحة هذه البشارات ، وقد قدمنا أن إقدامه صلى الله عليه وسلم على إخبار أصحابه وأعدائه بأنه مذكور في كتبهم بنعته وصفته ، وأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناهم ، وتكراره ذلك عليهم مرة بعد مرة في كل مجمع وتعريفهم بذلك ، وتوبيخهم والنداء عليهم ، من أقوى الأدلة القطعية على وجوده من وجهين :
أحدهما : قيام الدليل القطعي على صدقه .
الثاني : دعوته لهم بذلك إلى تصديقه ، ولو لم يكن له وجود لكان ذلك من أعظم دواعي تكذيبه والتنفير عنه .