[ ص: 441 ]       ( فصل ) : قال السائل :  
تدخل علينا الريبة من جهة   عبد الله بن سلام  وأصحابه ، وهو أنكم قد بنيتم أكثر أساس شريعتكم في الحلال والحرام والأمر والنهي على  أحاديث عوام من الصحابة   ، الذين ليس لهم بحث في علم ولا دراسة ولا كتابة قبل مبعث نبيكم ،  فابن سلام  وأصحابه أولى أن تأخذ بأحاديثهم ورواياتهم ، لأنهم كانوا أهل علم وبحث ودراسة وكتابة ، قبل مبعث نبيكم وبعده ، ولا نراكم تروون عنهم من الحلال والحرام والأمر والنهي إلا شيئا يسيرا جدا ، وهو ضعيف عندكم .  
والجواب من وجوه :  
أحدها : أن هذا بهت من قائله ، فإنا لم نبن  أساس شريعتنا في الحلال والحرام   والأمر والنهي إلا على كتاب ربنا المجيد ، الذي  لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد   الذي أنزله على رسوله  محمد   صلى الله عليه وسلم ، الذي تحدى به الأمم كلها على اختلاف علومها وأجناسها وطبائعها وهو في غاية الضعف ، وأعداؤه طبق الأرض ، أن يعارضوه بمثله فيكونوا أولى بالحق منه ، ويظهر كذبه وصدقهم فعجزوا عن ذلك . فتحداهم بأن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا ، فتحداهم بأن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا .  
هذا وأعداؤه الأدنون منه أفصح الخلق ، وهم أهل البلاغة والفصاحة واللسن   [ ص: 442 ] والنظم والنثر والخطب وأنواع الكلام ، فما منهم من فاه في معارضته ببنت شفة ، وكانوا أحرص الناس على تكذيبه وأشدهم أذى له بالقول والفعل والتنفير عنه بكل طريق ، فما تفرد أحد منهم عنه بسورة واحدة إلا  مسيلمة الكذاب  بمثل قوله : يا ضفدع بنت ضفدعين ، نقي كم تنقين ، لا الشارب تمنعين ، ولا الماء تكدرين ، ومثل : والطاحنات طحنا ، والعاجنات عجنا ، فالخابزات خبزا ، إهالة وسمنا ، وأمثال ذلك من هذه الألفاظ التي هي بألفاظ أهل المجون والمعتوهين أشبه منها بألفاظ العقلاء . فالمسلمون إنما بنوا أساس دينهم ومعالم حلالهم وحرامهم على الكتاب الذي لم ينزل من السماء كتاب أعظم منه ، فيه بيان كل شيء وتفصيل كل شيء ، وهدى ورحمة وشفاء لما في الصدور ، به هدى الله رسوله وأمته فهو أساس دينهم .  
				
						
						
