[ ص: 111 ] بسم الله الرحمن الرحيم  
مقدمة   القاضي عياض  
اللهم صل على محمد وآله وسلم  
قال  الفقيه القاضي الإمام الحافظ أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي  رحمة الله عليه - : الحمد لله المنفرد باسمه الأسمى ، المختص بالملك الأعز الأحمى ، الذي ليس دونه منتهى ، ولا وراءه مرمى ، الظاهر لا تخيلا ووهما ، الباطن تقدسا لا عدما ، وسع كل شيء رحمة وعلما ، وأسبغ على أوليائه نعما عما ، وبعث فيهم رسولا من أنفسهم عربا وعجما ، وأزكاهم محتدا ومنمى ، وأرجحهم عقلا وحلما ، وأوفرهم علما وفهما ، وأقواهم يقينا وعزما ، وأشدهم بهم رأفة ورحما ، زكاه روحا وجسما ، وحاشاه عيبا ووصما ، وآتاه حكمة وحكما ، وفتح به أعينا عميا ، وقلوبا غلفا ، وآذانا صما ، فآمن به وعزره ، ونصره من جعل الله له في مغنم السعادة قسما ، وكذب به وصدف عن آياته من كتب الله عليه الشقاء حتما ،  ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى   
 [ ص: 112 ]    [ الإسراء : 72 ] - صلى الله عليه وسلم - صلاة تسمو وتنمى ، وعلى آله وسلم تسليما .  
أما بعد  
أشرق الله قلبي وقلبك بأنوار اليقين ، ولطف لي ولك بما لطف لأوليائه المتقين ، الذين شرفهم الله بنزل قدسه ، وأوحشهم من الخليقة بأنسه ، وخصهم من معرفته ومشاهدة عجائب ملكوته وآثار قدرته بما ملأ قلوبهم حبرة ، ووله عقولهم في عظمته حيرة ، فجعلوا همهم به واحدا ، ولم يروا في الدارين غيره مشاهدا ، فهم بمشاهدة جماله وجلاله يتنعمون ، وبين آثار قدرته وعجائب عظمته يترددون ، وبالانقطاع إليه والتوكل عليه يتعززون ، لهجين بصادق قوله :  قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون      [ الأنعام : 91 ] .  
فإنك كررت علي السؤال في مجموع يتضمن التعريف بقدر المصطفى - عليه الصلاة والسلام - وما يجب له من توقير وإكرام ، وما حكم من لم يوف واجب عظيم ذلك القدر ، أو قصر في حق منصبه الجليل قلامة ظفر ، وأن أجمع لك ما لأسلافنا وأئمتنا في ذلك من مقال ، وأبينه بتنزيل صور وأمثال . .  
فاعلم أكرمك الله أنك حملتني من ذلك أمرا إمرا ، وأرهقتني فيما ندبتني إليه عسرا ، وأرقيتني بما كلفتني مرتقى صعبا ، ملأ قلبي رعبا ، فإن الكلام في ذلك يستدعي تقرير أصول وتحرير فصول ، والكشف عن غوامض ودقائق من علم الحقائق ،      [ ص: 113 ] مما يجب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ويضاف إليه ، أو يمتنع أو يجوز عليه ، ومعرفة النبي ، والرسول ، والرسالة ، والنبوة ، والمحبة ، والخلة ، وخصائص هذه الدرجة العلية ، وهاهنا مهامه فيح تحار فيها القطا ، وتقصر بها الخطى ، ومجاهل تضل فيها الأحلام إن لم تهتد بعلم علم ونظر سديد ، ومداحض تزل بها الأقدام ، إن لم تعتمد على توفيق من الله وتأييد .  
لكني لما رجوته لي ولك في هذا السؤال ، والجواب من نوال وثواب ، بتعريف قدره الجسيم ، وخلقه العظيم ، وبيان خصائصه التي لم تجتمع قبل في مخلوق ، وما يدان الله - تعالى - به من حقه الذي هو أرفع الحقوق ،  ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا      [ المدثر : 31 ] .  
ولما أخذ الله - تعالى - على الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه . ولما حدثنا به  أبو الوليد هشام بن أحمد  الفقيه بقراءتي عليه ، قال : حدثنا  الحسين بن محمد  ، حدثنا  أبو عمر النمري  حدثنا   أبو محمد بن عبد المؤمن  حدثنا  أبو بكر محمد بن بكر  ، حدثنا  سليمان بن   [ ص: 114 ] الأشعث  ، حدثنا   موسى بن إسماعيل  ، حدثنا  حماد  ، حدثنا  علي بن الحكم  ، عن  عطاء  ، عن   أبي هريرة     - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة     . فبادرت إلى نكت مسفرة عن وجه الغرض ، مؤديا من ذلك الحق المفترض ، اختلستها على استعجال ، لما المرء بصدده من شغل البدن ، والبال ، بما طوقه من مقاليد      [ ص: 115 ] المحنة التي ابتلي بها ، فكادت تشغل عن كل فرض ونفل ، وترد بعد حسن التقويم إلى أسفل سفل ، ولو أراد الله بالإنسان خيرا لجعل شغله وهمه كله فيما يحمد غدا ولا يذم محله ، فليس ثم سوى نضرة النعيم ، أو عذاب الجحيم ، ولكان عليه بخويصته ، واستنقاذ مهجته وعمل صالح يستزيده ، وعلم نافع يفيده أو يستفيده . جبر الله تعالى صدع قلوبنا ، وغفر عظيم ذنوبنا ، وجعل جميع استعدادنا لمعادنا ، وتوفر دواعينا فيما ينجينا ويقربنا إليه زلفة ، ويحظينا بمنه ورحمته .  
ولما نويت تقريبه ، ودرجت تبويبه ، ومهدت تأصيله ، وخلصت تفصيله ، وانتحيت حصره وتحصيله ، ترجمته : بـ " الشفاء بتعريف حقوق المصطفى " . وحصرت الكلام فيه في أربعة أقسام :  
1 - القسم الأول : في تعظيم العلي الأعلى لقدر هذا النبي قولا وفعلا ، وتوجه الكلام فيه إلى أربعة أبواب :  
الباب الأول :  
في ثنائه - تعالى - عليه ، وإظهاره عظيم قدره لديه ، وفيه عشرة فصول :  
الباب الثاني :  
في تكميله - تعالى - له المحاسن خلقا وخلقا ، وقرانه جميع الفضائل الدينية ، والدنيوية فيه نسقا ، وفيه سبعة وعشرون فصلا .  
الباب الثالث :  
فيما ورد من صحيح الأخبار ، ومشهورها بعظيم قدره عند ربه ومنزلته ، وما خصه الله به في الدارين من كرامته ، وفيه اثنا عشر فصلا .  
الباب الرابع :  
فيما أظهره الله - تعالى - على يديه من الآيات ، والمعجزات ، وشرفه به من الخصائص ، والكرامات ، وفيه ثلاثون فصلا .  
 [ ص: 116 ]    2 - القسم الثاني : فيما يجب على الأنام من حقوقه - عليه السلام - ، ويترتب القول فيه في أربعة أبواب :  
الباب الأول :  
في فرض الإيمان به ، ووجوب طاعته واتباع سنته ، وفيه خمسة فصول .  
الباب الثاني :  
في لزوم محبته ومناصحته ، وفيه ستة فصول .  
الباب الثالث :  
في تعظيم أمره ولزوم توقيره ، وبره ، وفيه سبعة فصول .  
الباب الرابع :  
في حكم الصلاة عليه ، والتسليم ، وفرض ذلك وفضيلته ، وفيه عشرة فصول .  
3 - القسم الثالث : فيما يستحيل في حقه - صلى الله عليه وسلم ، وما يجوز عليه ، وما يمتنع ، ويصح من الأمور البشرية أن يضاف إليه . وهذا القسم أكرمك الله تعالى - هو سر الكتاب ، ولباب ثمرة هذه الأبواب ، وما قبله له كالقواعد ، والتمهيدات ، والدلائل على ما نورده فيه من النكت البينات ، وهو الحاكم على ما بعده ، والمنجز من غرض هذا التأليف وعده ، وعند التقصي لموعدته ، والتقصي عن عهدته ، يشرق صدر العدو اللعين ، ويشرق قلب المؤمن باليقين ، وتملأ أنواره حوائج صدره ويقدر العاقل النبي حق قدره . ويتحرر الكلام فيه في بابين :  
الباب الأول :  
فيما يختص بالأمور الدينية ، ويتثبث به القول في العصمة وفيه ستة عشر فصلا .  
 [ ص: 117 ] الباب الثاني :  
في أحواله الدنيوية ، وما يجوز طروه عليه من الأعراض البشرية ، وفيه تسعة فصول .  
القسم الرابع :  
في تصرف وجوه الأحكام على من تنقصه أو سبه - صلى الله عليه وسلم - وينقسم الكلام فيه في بابين :  
الباب الأول :  
في بيان ما هو في حقه سب ونقص ، من تعريض ، أو نص ، وفيه عشرة فصول .  
الباب الثاني :  
في حكم شانئه ومؤذيه ومنتقصه وعقوبته ، وذكر استتابته ، والصلاة عليه ووراثته ، وفيه عشرة فصول .  
وختمناه بباب ثالث : جعلناه تكملة لهذه المسألة ، ووصلة للبابين اللذين قبله في حكم من سب الله - تعالى - ورسله وملائكته وكتبه ،  وآل النبي      - صلى الله عليه وسلم - وصحبه . واختصر الكلام فيه في خمسة فصول ، وبتمامها ينتجز الكتاب ، وتتم الأقسام ، والأبواب ، ويلوح في غرة الإيمان لمعة منيرة ، وفي تاج التراجم درة خطيرة ، تزيح كل لبس ، وتوضح كل تخمين وحدس ، وتشفي صدور قوم مؤمنين ، وتصدع بالحق ، وتعرض عن الجاهلين ، وبالله - تعالى - لا إله سواه أستعين .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					