[ ص: 449 ] الفصل العاشر : المسجد النبوي ، وفضله
فيما يلزم من دخل آداب دخول مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأدب سوى ما قدمناه ، وفضله ، وفضل الصلاة فيه ، وفي مسجد مكة ، وذكر قبره ، ومنبره ، وفضل سكنى المدينة ، ومكة
قال الله - تعالى - : لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه [ التوبة : 108 ] . روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل : أي مسجد هو ؟ قال : مسجدي هذا .
وهو قول ، ابن المسيب ، وزيد بن ثابت ، وابن عمر ، وغيرهم . ومالك بن أنس
وعن أنه ابن عباس مسجد قباء .
حدثنا هشام بن أحمد الفقيه بقراءتي عليه ، قال : حدثنا الحسين بن محمد الحافظ ، حدثنا أبو عمر النمري ، حدثنا حدثنا أبو محمد بن عبد المؤمن ، حدثنا أبو بكر بن داسة أبو داود ، حدثنا مسدد ، حدثنا سفيان عن ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : أبي هريرة المسجد الحرام ، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى . لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد :
وقد تقدمت الآثار في الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند دخول المسجد .
وعن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عمرو بن العاص . كان إذا دخل المسجد قال : أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم ، من الشيطان الرجيم
وقال مالك - رحمه الله - : سمع - رضي الله عنه - صوتا في المسجد ، فدعا بصاحبه ، فقال : ممن أنت ؟ قال : رجل من عمر بن الخطاب ثقيف . قال : لو كنت من هاتين القريتين لأدبتك ، إن مسجدنا لا يرفع فيه الصوت .
وقال محمد بن مسلمة : لا ينبغي لأحد أن يعتمد المسجد برفع الصوت ، ولا [ ص: 450 ] بشيء من الأذى ، وأن ينزه عما يكره .
قال القاضي : حكى ذلك كله القاضي إسماعيل في مبسوطه ، في باب فضل مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - . والعلماء كلهم متفقون على أن حكم سائر المساجد هذا الحكم .
قال القاضي إسماعيل : وقال محمد بن مسلمة : ويكره في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - الجهر على المصلين فيما يخلط عليهم صلواتهم ، وليس مما يخص به المساجد رفع الصوت ، وقد كره رفع الصوت بالتلبية في مساجد الجماعات إلا المسجد الحرام ومسجدنا .
وقال عنه - صلى الله عليه وسلم - : أبو هريرة المسجد الحرام . صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه ، إلا
قال القاضي : اختلف الناس في معنى هذا الاستثناء على اختلافهم في المفاضلة بين مكة والمدينة ، فذهب مالك في رواية أشهب عنه ، وقاله ابن نافع صاحبه ، وجماعة أصحابه إلى أن معنى الحديث أن الصلاة في مسجد الرسول أفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة إلا المسجد الحرام ، فإن الصلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل من الصلاة فيه بدون الألف .
واحتجوا بما روي عن - رضي الله عنه - : صلاة في عمر بن الخطاب المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه ، فتأتي فضيلة مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتسعمائة ، وعلى غيره بألف .
وهذا مبني على تفضيل المدينة على مكة على ما قدمناه ، وهو قول ، عمر بن الخطاب ومالك ، وأكثر المدنيين .
وذهب أهل الكوفة إلى تفضيل مكة ، وهو قول عطاء ، وابن وهب ، وابن حبيب [ ص: 451 ] من أصحاب مالك ، وحكاه الباجي عن ، وحملوا الاستثناء في الحديث المتقدم على ظاهره ، وأن الصلاة في الشافعي المسجد الحرام أفضل ، واحتجوا بحديث عبد الله بن الزبير ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل حديث ، وفيه : أبي هريرة وصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة .
وروى قتادة مثله ، فيأتي فضل الصلاة في المسجد الحرام على هذا على الصلاة في سائر المساجد بمائة ألف .
ولا خلاف أن موضع قبره أفضل بقاع الأرض .
قال القاضي : الذي يقتضيه الحديث مخالفة حكم مسجد أبو الوليد الباجي مكة لسائر المساجد ، ولا يعلم منه حكمها مع المدينة .
وذهب إلى أن هذا التفضيل إنما هو في صلاة الفرض . الطحاوي
وذهب مطرف من أصحابنا إلى أن ذلك في النافلة أيضا ، قال : وجمعة خير من جمعة ، ورمضان خير من رمضان .
وقد ذكر عبد الرزاق في تفضيل رمضان بالمدينة ، وغيرها حديثا نحوه .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : . ما بين بيتي ، ومنبري روضة من رياض الجنة
ومثله عن ، أبي هريرة وأبي سعيد ، وزاد : . ومنبري على حوضي
وفي حديث آخر : . منبري على ترعة من ترع [ ص: 452 ] الجنة
قال : فيه معنيان : الطبري
أحدهما : أن المراد بالبيت بيت سكناه على الظاهر ، مع أنه روي ما يبينه : . بين حجرتي ومنبري
والثاني : أن البيت هنا القبر ، وهو قول في هذا الحديث ، كما روي : زيد بن أسلم . قال بين قبري ، ومنبري : وإذا كان قبره في بيته اتفقت معاني الروايات ، ولم يكن بينها خلاف ، لأن قبره في حجرته ، وهو بيته . الطبري
وقوله : قيل : يحتمل أنه منبره بعينه الذي كان في الدنيا ، وهو أظهر . ومنبري على حوضي
والثاني : أن يكون له هناك منبر .
والثالث : أن قصد منبره ، والحضور عنده لملازمة الأعمال الصالحة يورد الحوض ، ويوجب الشرب منه ، قالهالباجي .
وقوله : يحتمل معنيين : روضة من رياض الجنة
أحدهما : أنه موجب لذلك ، وأن الدعاء ، والصلاة فيه يستحق ذلك من الثواب ، كما قيل : الجنة تحت ظلال السيوف .
والثاني : أن تلك البقعة قد ينقلها الله فتكون في الجنة بعينها ، قاله الداودي .
وروى ، وجماعة من الصحابة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في ابن عمر المدينة : . لا يصبر على لأوائها ، وشدتها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة
وقال فيمن تحمل عن المدينة : والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون .
وقال : المدينة كالكير تنفي خبثها ، وينصع طيبها . إنما
وقال : المدينة رغبة عنها إلا أبدلها الله خيرا منه . لا يخرج أحد من
وروي [ ص: 453 ] عنه - صلى الله عليه وسلم - : من مات في أحد الحرمين حاجا أو معتمرا بعثه الله يوم القيامة لا حساب عليه ، ولا عذاب .
وفي طريق آخر : بعث من الآمنين يوم القيامة .
وعن ابن عمر بالمدينة فليمت بها ، فإني أشفع لمن يموت بها . من استطاع أن يموت
وقال - تعالى - : إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا - إلى قوله - : آمنا [ آل عمران : 96 ] .
قال بعض المفسرين : آمنا من النار ، وقيل : كان يأمن من الطلب من أحدث حدثا خارجا عن الحرم ، ولجأ إليه في الجاهلية ، وهذا مثل قوله : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا [ البقرة : 125 ] على قول بعضهم .
وحكي أن قوما أتوا سعدون الخولاني بالمنستير فأعلموه أن كتامة قتلوا رجلا ، وأضرموا عليه النار طول الليل فلم تعمل فيه شيئا ، وبقي أبيض اللون ، فقال : لعله حج ثلاث حجج ؟ قالوا : نعم . قال : حدثت أن من حج حجة أدى فرضه ، ومن حج ثانية داين ربه ، ومن حج ثلاث حجج حرم الله شعره ، وبشره على النار .
ولما . نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبة قال : مرحبا بك من بيت ، ما أعظمك ، وأعظم حرمتك
وفي الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - : ما من أحد يدعو الله - تعالى - عند الركن الأسود إلا استجاب الله له ، وكذلك عند الميزاب .
وعنه - صلى الله عليه وسلم - : من صلى خلف المقام ركعتين غفر له ما تقدم من ذنبه ، وما تأخر ، وحشر يوم القيامة من الآمنين .
قال الفقيه القاضي أبو الفضل : قرأت على القاضي الحافظ أبي علي ، حدثنا أبو [ ص: 454 ] العباس العذري ، قال : حدثنا ، حدثنا أبو أسامة محمد بن أحمد بن محمد الهروي ، سمعت الحسن بن رشيق أبا الحسن محمد بن الحسن بن راشد ، سمعت ، سمعت أبا بكر محمد بن إدريس الحميدي ، قال : سمعت ، قال : سمعت سفيان بن عيينة قال : سمعت عمرو بن دينار يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ابن عباس ما دعا أحد بشيء في هذا الملتزم إلا استجيب له .
قال : وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا ابن عباس الملتزم منذ سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا استجيب لي .
وقال : وأنا فما دعوت الله - تعالى - بشيء في هذا عمرو بن دينار الملتزم منذ سمعت هذا عن إلا استجيب لي . ابن عباس
وقال سفيان : وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من عمرو إلا استجيب لي .
قال الحميدي : وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من سفيان إلا استجيب لي .
وقال محمد بن إدريس ، وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من الحميدي إلا استجيب لي .
وقال أبو الحسن محمد بن الحسن : وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من محمد بن إدريس إلا استجيب لي .
قال أبو أسامة : وما أذكر قال فيه شيئا : وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الحسن بن رشيق الملتزم منذ سمعت هذا من إلا استجيب لي من أمر الدنيا ، وأنا أرجو أن يستجاب لي من أمر الآخرة . الحسن بن رشيق
قال العذري : وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من أبي أسامة إلا استجيب لي .
قال أبو علي : وأنا فقد دعوت الله فيه بأشياء كثيرة استجيب لي بعضها ، وأرجو من سعة فضله أن يستجيب لي بقيتها .
قال القاضي أبو الفضل : ذكرنا نبذا من هذه النكت في هذا الفصل ، وإن لم تكن من الباب ، لتعلقها بالفصل الذي قبله حرصا على تمام الفائدة ، والله الموفق للصواب برحمته .