الفصل الثاني : حكم المرتد إذا تاب
إذا قلنا بالاستتابة حيث تصح فالاختلاف فيها على الاختلاف في توبة المرتد ، إذ لا فرق .
وقد اختلف السلف في وجوبها وصورتها ومدتها ، فذهب جمهور أهل العلم إلى أن المرتد يستتاب .
وحكى ابن القصار أنه إجماع من الصحابة على تصويب قول عمر في الاستتابة ، ولم ينكره واحد منهم ، وهو قول عثمان ، وعلي ، وابن مسعود ، وبه قال عطاء بن أبي رباح ، والنخعي ، والثوري ، ومالك ، وأصحابه ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي .
وذهب طاوس ، وعبيد بن عمير ، والحسن في إحدى الروايتين عنه أنه لا يستتاب ، وقاله عبد العزيز بن أبي سلمة ، وذكره عن معاذ ، وأنكره [ ص: 570 ] سحنون عن معاذ ، وحكاه الطحاوي عن أبي يوسف ، وهو قول أهل الظاهر ، قالوا : وتنفعه توبته عند الله ، ولكن لا ندرأ القتل عنه ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - ، من بدل دينه فاقتلوه .
وحكي أيضا عن عطاء : إن كان ممن ولد في الإسلام لم يستتب ، ويستتاب الإسلامي .
وجمهور العلماء على أن المرتد والمرتدة في ذلك سواء .
وروي عن علي - رضي الله عنه - : لا تقتل المرتدة وتسترق ، وقاله عطاء ، وقتادة .
وروي عن ابن عباس : لا تقتل النساء في الردة ، وبه قال أبو حنيفة .
قال مالك : والحر والعبد والذكر والأنثى في ذلك سواء .
وأما مدتها فمذهب الجمهور ، وروي عن عمر ، أنه يستتاب ثلاثة أيام يحبس فيها ، وقد اختلف فيه عن عمر ، وهو أحد قولي الشافعي ، وقول أحمد ، وإسحاق ، واستحسنه مالك ، وقال : لا يأتي الاستظهار إلا بخير ، وليس عليه جماعة الناس . .
قال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد : يريد في الاستيناء ثلاثا .
وقال مالك أيضا : الذي آخذ به في المرتد قول عمر : يحبس ثلاثة أيام ، ويعرض عليه كل يوم ، فإن تاب وإلا قتل .
وقال أبو الحسن بن القصار في تأخيره ثلاثا روايتان عن مالك : هل ذلك واجب أو مستحب ؟ ، واستحسن الاستتابة والاستيناء ثلاثا أصحاب الرأي .
وروي عن أبي بكر الصديق أنه استتاب امرأة فلم تتب فقتلها ، وقاله الشافعي مرة ، فقال : إن لم يتب قتل مكانه . واستحسنه المزني .
وقال الزهري : يدعى إلى الإسلام ثلاث مرات ، فإن أبى قتل .
وروي عن علي - رضي الله عنه - : يستتاب شهرين . وقال النخعي : يستتاب أبدا ، وبه أخذ الثوري ما رجيت توبته . وحكى ابن القصار عن أبي حنيفة أنه يستتاب ثلاث مرات في ثلاثة أيام أو ثلاث جمع كل يوم أو جمعة مرة .
وفي كتاب محمد ، عن القاسم : يدعى المرتد إلى الإسلام ثلاث مرات ، فإن أبى ضربت عنقه .
واختلف على هذا هل يهدد أو يشدد عليه أيام الاستتابة ليتوب أم لا ؟ [ ص: 571 ] فقال مالك : ما علمت في الاستتابة تجويعا ، ولا تعطيشا ، ويؤتى من الطعام بما لا يضره .
وقال أصبغ : يخوف أيام الاستتابة بالقتل ، ويعرض عليه الإسلام .
وفي كتاب أبي الحسن الطابثي : يوعظ في تلك الأيام ، ويذكر بالجنة ، ويخوف بالنار .
قال أصبغ : وأي المواضع حبس فيها من السجون مع الناس أو وحده إذا استوثق منه سواء ، ويوقف ماله إذا خيف أن يتلفه على المسلمين ، ويطعم منه ويسقى .
وكذلك يستتاب كلما رجع ، وارتد أبدا ، وقد استتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نبهان الذي ارتد أربع مرات أو خمسا .
وقال ابن وهب ، عن مالك : يستتاب أبدا كلما رجع ، وهو قول الشافعي ، وأحمد ، وقاله ابن القاسم .
وقال إسحاق : يقتل في الرابعة .
وقال أصحاب الرأي : إن لم يتب في الرابعة قتل دون استتابة ، وإن تاب ضرب ضربا وجيعا ، ولم يخرج من السجن حتى يظهر عليه خشوع التوبة .
قال ابن المنذر : ولا نعلم أحدا أوجب على المرتد في المرة الأولى أدبا إذا رجع . وهو على مذهب مالك ، والشافعي ، والكوفي .


