الفصل التاسع عشر : تواضعه - صلى الله عليه وسلم -
وأما - ، على علو منصبه ، ورفعة رتبته فكان أشد الناس تواضعا ، وأعدمهم كبرا . وحسبك أنه تواضعه - صلى الله عليه وسلم ، خير بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا ، فاختار أن يكون نبيا عبدا إسرافيل عند ذلك : فإن الله قد أعطاك بما تواضعت له أنك سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأول من تنشق الأرض عنه ، وأول شافع . فقال له
[ حدثنا أبو الوليد بن العواد الفقيه - رحمه الله - بقراءتي عليه في منزله بقرطبة سنة سبع وخمسمائة ، قال : حدثنا أبو علي الحافظ ، حدثنا أبو عمر ، حدثنا حدثنا ابن عبد المؤمن ابن داسة ، حدثنا أبو داود ، حدثنا ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، عن عبد الله بن نمير ، عن مسعر أبي العنبس ، عن أبي العدبس ، عن أبي مرزوق ، عن أبي غالب ] ، عن أبي أمامة رضي الله عنه ، قال : لا تقوموا كما تقوم الأعاجم ، يعظم بعضهم بعضا . وقال : خرج [ ص: 192 ] علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوكئا على عصا ، فقمنا له . فقال : إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد .
، ويعود المساكين ، ويجالس الفقراء ، ويجيب دعوة العبد ، وكان - صلى الله عليه وسلم - يركب الحمار ، ويردف خلفه . ويجلس بين أصحابه مختلطا بهم حيثما انتهى به المجلس جلس
وفي حديث عمر عنه - صلى الله عليه وسلم - : النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ، ورسوله . لا تطروني كما أطرت
وعن أنس - رضي الله عنه - . أن امرأة كان في عقلها شيء جاءته ، فقالت : إن لي إليك حاجة قال : اجلسي يا أم فلان في أي طرق المدينة شئت أجلس إليك حتى أقضي حاجتك . قال : فجلست ، فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها حتى فرغت من حاجتها
قال أنس : بني قريظة على حمار مغطوم بحبل من ليف عليه إكاف . قال : وكان يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركب الحمار ، ويجيب دعوة العبد ، وكان يوم
قال : وحج - صلى الله عليه وسلم - . على رحل رث ، وعليه قطيفة ما تساوي أربعة دراهم ، فقال : اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ، ولا سمعة
هذا ، وقد فتحت عليه الأرض ، وأهدى في حجه ذلك مائة بدنة ، ولما فتحت عليه مكة ، ودخلها بجيوش المسلمين طأطأ على رحله رأسه حتى كاد يمس [ ص: 193 ] قادمته تواضعا لله - تعالى - .
ومن تواضعه - صلى الله عليه وسلم - قوله : يونس - ابن متى - ولا تفضلوا بين الأنبياء ، لا تفضلوني على موسى ولا تخيروني على ، إبراهيم ، ولو لبثت ما لبث يوسف في السجن لأجبت الداعي . ونحن أحق بالشك من إبراهيم . وقال للذي قال له : يا خير البرية : ذاك
وسيأتي الكلام على هذه الأحاديث بعد هذا إن شاء الله تعالى .
وعن عائشة ، والحسن ، وأبي سعيد ، وغيرهم في صفته ، وبعضهم يزيد على بعض : ، ويرقع ثوبه ، وكان في بيته في مهنة أهله يفلي ثوبه ، ويحلب شاته ، ويعلف ناضحه ، ويخصف نعله ، ويخدم نفسه ، ويقم البيت ، ويعقل البعير . ويأكل مع الخادم ، ويعجن معها ، ويحمل بضاعته من السوق
وعن أنس : المدينة لتأخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنطلق به حيث شاءت حتى تقضي حاجتها . - رضي الله عنه - إن كانت الأمة من إماء أهل
قريش تأكل القديد . ودخل عليه رجل فأصابته من هيبته رعدة فقال له : هون عليك فإني لست بملك ، إنما أنا ابن امرأة من
وعن - رضي الله عنه - : [ ص: 194 ] أبي هريرة . دخلت السوق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فاشترى سراويل ، وقال للوزان : زن ، وأرجح ، وذكر القصة قال : فوثب إلى يد النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبلها ، فجذب يده ، وقال : هذا تفعله الأعاجم بملوكها ، ولست بملك ، إنما أنا رجل منكم . ثم أخذ السراويل ، فذهبت لأحمله ، فقال : صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله