الفصل الرابع والعشرون : صفات الأنبياء - عليهم السلام -
اعلم - وفقنا الله ، وإياك - أن صفات جميع الأنبياء - صلوات الله عليهم - من كمال الخلق ، وحسن الصورة ، وشرف النسب ، وحسن الخلق ، وجميع المحاسن ، هي هذه الصفة ، لأنها صفات الكمال . والكمال والتمام البشري والفضل الجميع لهم - صلوات الله عليهم - ، إذ رتبتهم أشرف الرتب ، ودرجاتهم أرفع الدرجات ، ولكن فضل الله بعضهم على بعض ، قال الله - تعالى - : تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض [ البقرة : 253 ] . وقال : ولقد اخترناهم على علم على العالمين [ الدخان : 32 ] .
وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : . ثم قال آخر الحديث : على خلق رجل واحد ، على صورة أبيهم إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر آدم - عليه السلام - ، طوله ستون ذراعا في السماء .
وفي حديث : أبي هريرة موسى فإذا هو رجل ضرب ، رجل أقنى كأنه من رجال شنوءة ، رأيت عيسى فإذا هو رجل ربعة ، كثير خيلان الوجه ، أحمر كأنما خرج من ديماس ورأيت .
وفي حديث آخر : إبراهيم به . مبطن مثل السيف ، قال : وأنا أشبه ولد
وقال في حديث آخر في صفة موسى : أدم الرجال . كأحسن ما أنت راء من
وفي حديث - رضي الله عنه ، عنه - صلى الله عليه وسلم - : أبي هريرة لوط [ ص: 205 ] نبيا إلا في ذروة من قومه . ما بعث الله - تعالى - من بعد
ويروى : في ثروة ، أي كثرة ، ومنعة .
وحكى الترمذي ، عن قتادة ، ورواه من حديث الدارقطني قتادة عن أنس : ما بعث الله تعالى نبيا حسن الوجه ، حسن الصوت ، وكان نبيكم أحسنهم وجها ، وأحسنهم صوتا - صلى الله عليه وسلم - .
وفي حديث هرقل : . وسألتك عن نسبه ، فذكرت أنه فيكم ذو نسب ، وكذلك الرسل تبعث في أنساب قومها
وقال - تعالى - في أيوب : إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب [ ص : 44 ] .
وقال - تعالى - : يايحيى خذ الكتاب بقوة [ مريم : 12 ] . وقال : أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين [ آل عمران : 39 ] . وقال : إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران [ آل عمران : 33 - 34 ] الآيتين .
وقال في نوح : إنه كان عبدا شكورا [ الإسراء : 3 ] .
وقال : إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى إلى الصالحين [ آل عمران : 45 - 46 ] . وقال : إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا [ مريم : 30 - 31 ] . وقال : ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى [ الأحزاب : 69 ] الآية . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : موسى رجلا حييا ستيرا ما يرى من جسده شيء استحياء . الحديث . كان
وقال - تعالى - عنه : فوهب لي ربي حكما [ الشعراء : 21 ] الآية .
وقال في وصف جماعة منهم : إني لكم رسول أمين [ الدخان : 18 ] .
وقال : إن خير من استأجرت القوي الأمين [ القصص : 26 ] .
وقال : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل [ الأحقاف : 35 ] .
وقال : ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا [ الأنعام : 84 ] إلى قوله فبهداهم اقتده [ الأنعام : 90 ] .
فوصفهم بأوصاف جمة من الصلاح ، والهدى ، والاجتباء ، والحكم ، والنبوة .
وقال : وبشروه بغلام عليم [ الذاريات : 28 ] . وقال ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم إلى أمين [ الدخان : 17 - 18 ] .
وقال : ستجدني إن شاء الله من الصابرين [ الصافات : 102 ] .
وقال في إسماعيل : إنه كان صادق الوعد [ مريم : 54 ] الآيتين . وفي موسى : إنه كان مخلصا [ ص: 206 ] [ مريم : 51 ] . وفي سليمان : نعم العبد إنه أواب [ ص : 30 ] الآية . وقال : واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار - إلى - الأخيار . [ ص : 45 - 46 ] وفي داود : نعم العبد إنه أواب [ ص : 44 ] . ثم قال : وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب [ ص : 20 ] .
وقال عن يوسف : اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم [ يوسف : 55 ] . وفي موسى : ستجدني إن شاء الله صابرا [ الكهف : 69 ] . وقال - تعالى - عن شعيب : ستجدني إن شاء الله من الصالحين ] [ القصص : 27 ]
وقال : وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت [ هود : 88 ] .
وقال : ولوطا آتيناه حكما وعلما [ الأنبياء : 74 ] . وقال : إنهم كانوا يسارعون في الخيرات [ الأنبياء : 90 ] . قال سفيان : هو الحزن الدائم في آي كثيرة ذكر فيها من خصالهم ، ومحاسن أخلاقهم الدالة على كمالهم . وجاء من ذلك في الأحاديث كثير ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي . إنما الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ،
وفي حديث أنس : وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ، ولا تنام قلوبهم .
وروي أن سليمان كان مع ما أعطي من الملك لا يرفع بصره إلى السماء تخشعا ، وتواضعا لله - تعالى - . وكان يطعم الناس لذائذ الأطعمة ، ويأكل خبز الشعير .
وأوحى الله إليه : يا رأس العابدين ، وابن محجة الزاهدين .
وكانت العجوز تعترضه ، وهو على الريح في جنوده ، فيأمر الريح فتقف فينظر في حاجتها ، ويمضي .
وقيل ليوسف : ما لك تجوع ، وأنت على خزائن الأرض ؟ قال : أخاف أن أشبع فأنسى الجائع .
وروى - رضي الله عنه - عنه - صلى الله عليه وسلم - : أبو هريرة داود القرآن فكان يأمر بدابته ، فتسرج ، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج ، ولا يأكل إلا من عمل يده . خفف على
قال الله - تعالى - : وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد [ سبأ : 10 - 11 ] . وكان سأل ربه أن يرزقه عملا بيده يغنيه عن بيت المال .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : داود ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود : كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، ويصوم يوما ، ويفطر يوما ، أحب الصلاة إلى الله صلاة وكان [ ص: 207 ] يلبس الصوف ، ويفترش الشعر ، ويأكل خبز الشعير بالملح ، والرماد ، ويمزج شرابه بالدموع ، ولم ير ضاحكا بعد الخطيئة ، ولا شاخصا ببصره إلى السماء ، حياء من ربه ، ولم يزل باكيا حياته كلها .
وقيل : بكى حتى نبت العشب من دموعه ، وحتى اتخذت الدموع في خده أخدودا .
وقيل : كان يخرج متنكرا يتعرف سيرته ، فيستمع الثناء عليه ، فيزداد تواضعا .
وقيل لعيسى - عليه السلام - : لو اتخذت حمارا . قال : أنا أكرم على الله من أن يشغلني بحمار . وكان يلبس الشعر ، ويأكل الشجر ، ولم يكن له بيت أينما أدركه النوم نام . وكان أحب الأسامي إليه أن يقال له مسكين .
وقيل : إن موسى - عليه السلام - لما ورد ماء مدين كانت ترى خضرة البقل في بطنه من الهزال .
وقال - عليه السلام - : لقد كان الأنبياء قبلي يبتلى أحدهم بالفقر ، والقمل ، وكان ذلك أحب إليهم من العطاء إليكم .
عيسى - عليه السلام - لخنزير لقيه : اذهب بسلام . فقيل له في ذلك ، فقال : أكره أن أعود لساني المنطق بسوء . وقال
وقال مجاهد : كان طعام يحيى العشب . وكان يبكي من خشية الله حتى اتخذ الدمع مجرى في خده ، وكان يأكل مع الوحش لئلا يخالط الناس .
وحكى عن الطبري وهب ، أن موسى كان يستظل بعريش ، ويأكل في نقرة من حجر ، ويكرع فيها إذا أراد أن يشرب كما تكرع الدابة ، تواضعا لله بما أكرمه الله به من كلامه . وأخبارهم في هذا كله مسطورة ، وصفاتهم في الكمال ، وجميل الأخلاق ، وحسن الصور ، والشمائل معروفة مشهورة ، فلا نطول بها ، ولا تلتفت إلى ما تجده في كتب بعض جهلة المؤرخين ، والمفسرين مما يخالف هذا .