ومنهم من يرى الأمر لا يسقط عنه ، ولكن إذا ، فلم يشعر بوقت الواجب ولا حضوره ، حتى يفوته فيقضيه ، فهذا متى استدعى ذلك الفناء وطلبه ، فليس بمعذور في اصطلامه ، بل هو عاص لله في استدعائه ما يعرضه لإضاعة حقه ، وهو مفرط ، أمره إلى الله ، ومتى هجم عليه بغير استدعاء ، [ ص: 262 ] وغلب عليه - مع مدافعته له - خشية إضاعة الحق ، فهذا معذور ، وليس بكامل في حاله ، بل الكمال وراء ذلك ، وهو الانتقال عن وادي الجمع والفناء ، والخروج عنه إلى أودية الفرق الثاني والبقاء ، فالشأن كل الشأن فيه ، وهو الذي كان ينادي عليه شيخ الطائفة على الإطلاق ورد عليه وارد الفناء والجمع غيب عقله واصطلمه رحمه الله ، ووقع بينه وبين أصحاب هذا الجمع والفناء ما وقع لأجله ، فهجرهم وحذر منهم ، وقال : عليكم بالفرق الثاني ، فإن الفرق فرقان ، الفرق الأول : وهو النفسي الطبيعي المذموم ، وليس الشأن في الخروج منه إلى الجنيد بن محمد ، بل الشأن في شهود هذا الجمع واستصحابه في الفرق الثاني ، وهو الحقيقة الدينية ، ومن لم يتسع قلبه لذلك فليترك جمعه وفناءه تحت قدمه ، ولينبذه وراء ظهره ، مشتغلا بالفرق الثاني ، والكمال أيضا وراء ذلك ، وهو شهود الجمع في الفرق ، والكثرة في الوحدة ، وتحكيم الحقيقة الدينية على الحقيقة الكونية ، فهذا حال العارفين الكمل : الجمع والفناء في توحيد الربوبية والحقيقة الكونية
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته عن النديم ولا يلهو عن الكاس
وكان صلى الله عليه وسلم في صلاته واشتغاله بالله وإقباله عليه يشعر " إني لأسمع بكاء الصبي وأنا في الصلاة ، فأتجوز فيها ، كراهة أن أشق على أمه " بعائشة إذا استفتحت الباب ، فيمشي خطوات يفتح لها ثم يرجع إلى مصلاه ، وذكر في صلاته تبرا كان عنده ، فصلى ، ثم قام مسرعا فقسمه وعاد إلى مجلسه ، فلم تشغله جمعيته العظمى - التي لا يدرك لها من بعده رائحة - عن هذه الجزئيات ، صلوات الله وسلامه عليه .