فصل منزلة السماع
nindex.php?page=treesubj&link=29411_28972_28328_30491_19276ومن منازل nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين منزلة السماع .
وهو اسم مصدر كالنبات ، وقد أمر الله به في كتابه ، وأثنى على أهله ، وأخبر أن البشرى لهم ، فقال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108واتقوا الله واسمعوا وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16واسمعوا وأطيعوا وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=46ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=17فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا وقال
[ ص: 478 ] nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=83وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق .
وجعل الإسماع منه والسماع منهم دليلا على علم الخير فيهم ، وعدم ذلك دليلا على عدم الخير فيهم ، فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون .
وأخبر عن أعدائه أنهم هجروا السماع ونهوا عنه ، فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه .
فالسماع رسول الإيمان إلى القلب وداعيه ومعلمه ، وكم في القرآن من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=26أفلا يسمعون وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=46أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها الآية .
فالسماع أصل العقل ، وأساس الإيمان الذي انبنى عليه ، وهو رائده وجليسه ووزيره ، ولكن الشأن كل الشأن في المسموع ، وفيه وقع خبط الناس واختلافهم ، وغلط منهم من غلط .
وحقيقة السماع تنبيه القلب على معاني المسموع ، وتحريكه عنها طلبا وهربا
[ ص: 479 ] وحبا وبغضا ، فهو حاد يحدو بكل أحد إلى وطنه ومألفه .
وأصحاب السماع ، منهم : من يسمع بطبعه ونفسه وهواه ، فهذا حظه من مسموعه ما وافق طبعه .
ومنهم من يسمع بحاله وإيمانه ومعرفته وعقله ، فهذا يفتح له من المسموع بحسب استعداده وقوته ومادته .
ومنهم من يسمع بالله ، لا يسمع بغيره ، كما في الحديث الإلهي الصحيح " فبي يسمع ، وبي يبصر " وهذا أعلى سماعا ، وأصح من كل أحد .
والكلام في السماع مدحا وذما يحتاج فيه إلى معرفة صورة المسموع ، وحقيقته وسببه ، والباعث عليه ، وثمرته وغايته ، فبهذه الفصول الثلاثة يتحرر أمر السماع ويتميز النافع منه والضار ، والحق والباطل ، والممدوح والمذموم .
فأما المسموع فعلى ثلاثة أضرب :
أحدها : مسموع يحبه الله ويرضاه ، وأمر به عباده ، وأثنى على أهله ، ورضي عنهم به .
الثاني : مسموع يبغضه ويكرهه ، ونهى عنه ، ومدح المعرضين عنه .
الثالث : مسموع مباح مأذون فيه ، لا يحبه ولا يبغضه ، ولا مدح صاحبه ولا ذمه ، فحكمه حكم سائر المباحات من المناظر ، والمشام ، والمطعومات ، والملبوسات المباحة ، فمن حرم هذا النوع الثالث فقد قال على الله ما لا يعلم ، وحرم ما أحل الله ، ومن جعله دينا وقربة يتقرب به إلى الله ، فقد كذب على الله ، وشرع دينا لم يأذن به الله ، وضاهأ بذلك المشركين .
فَصْلٌ مَنْزِلَةُ السَّمَاعِ
nindex.php?page=treesubj&link=29411_28972_28328_30491_19276وَمِنْ مَنَازِلِ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ مَنْزِلَةُ السَّمَاعِ .
وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ كَالنَّبَاتِ ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ ، وَأَثْنَى عَلَى أَهْلِهِ ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْبُشْرَى لَهُمْ ، فَقَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=46وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=17فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا وَقَالَ
[ ص: 478 ] nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=83وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ .
وَجَعَلَ الْإِسْمَاعَ مِنْهُ وَالسَّمَاعَ مِنْهُمْ دَلِيلًا عَلَى عِلْمِ الْخَيْرِ فِيهِمْ ، وَعَدَمَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْخَيْرِ فِيهِمْ ، فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ .
وَأَخْبَرَ عَنْ أَعْدَائِهِ أَنَّهُمْ هَجَرُوا السَّمَاعَ وَنَهَوْا عَنْهُ ، فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ .
فَالسَّمَاعُ رَسُولُ الْإِيمَانِ إِلَى الْقَلْبِ وَدَاعِيهِ وَمُعْلِمُهُ ، وَكَمْ فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=26أَفَلَا يَسْمَعُونَ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=46أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا الْآيَةَ .
فَالسَّمَاعُ أَصْلُ الْعَقْلِ ، وَأَسَاسُ الْإِيمَانِ الَّذِي انْبَنَى عَلَيْهِ ، وَهُوَ رَائِدُهُ وَجَلِيسُهُ وَوَزِيرُهُ ، وَلَكِنَّ الشَّأْنَ كُلَّ الشَّأْنِ فِي الْمَسْمُوعِ ، وَفِيهِ وَقَعَ خَبْطُ النَّاسِ وَاخْتِلَافُهُمْ ، وَغَلِطَ مِنْهُمْ مَنْ غَلِطَ .
وَحَقِيقَةُ السَّمَاعِ تَنْبِيهُ الْقَلْبِ عَلَى مَعَانِي الْمَسْمُوعِ ، وَتَحْرِيكُهُ عَنْهَا طَلَبًا وَهَرَبًا
[ ص: 479 ] وَحُبًّا وَبُغْضًا ، فَهُوَ حَادٍ يَحْدُو بِكُلِّ أَحَدٍ إِلَى وَطَنِهِ وَمَأْلَفِهِ .
وَأَصْحَابُ السَّمَاعِ ، مِنْهُمْ : مَنْ يَسْمَعُ بِطَبْعِهِ وَنَفْسِهِ وَهَوَاهُ ، فَهَذَا حَظُّهُ مِنْ مَسْمُوعِهِ مَا وَافَقَ طَبْعَهُ .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْمَعُ بِحَالِهِ وَإِيمَانِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَعَقْلِهِ ، فَهَذَا يُفْتَحُ لَهُ مِنَ الْمَسْمُوعِ بِحَسَبَ اسْتِعْدَادِهِ وَقُوَّتِهِ وَمَادَّتِهِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْمَعُ بِاللَّهِ ، لَا يَسْمَعُ بِغَيْرِهِ ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْإِلَهِيِّ الصَّحِيحِ " فَبِي يَسْمَعُ ، وَبِي يُبْصِرُ " وَهَذَا أَعْلَى سَمَاعًا ، وَأَصَحُّ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ .
وَالْكَلَامُ فِي السَّمَاعِ مَدْحًا وَذَمًّا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى مَعْرِفَةِ صُورَةِ الْمَسْمُوعِ ، وَحَقِيقَتِهِ وَسَبَبِهِ ، وَالْبَاعِثِ عَلَيْهِ ، وَثَمَرَتِهِ وَغَايَتِهِ ، فَبِهَذِهِ الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ يَتَحَرَّرُ أَمْرُ السَّمَاعِ وَيَتَمَيَّزُ النَّافِعُ مِنْهُ وَالضَّارُّ ، وَالْحَقُّ وَالْبَاطِلُ ، وَالْمَمْدُوحُ وَالْمَذْمُومُ .
فَأَمَّا الْمَسْمُوعُ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ :
أَحَدُهَا : مَسْمُوعٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ ، وَأَمَرَ بِهِ عِبَادَهُ ، وَأَثْنَى عَلَى أَهْلِهِ ، وَرَضِيَ عَنْهُمْ بِهِ .
الثَّانِي : مَسْمُوعٌ يُبْغِضُهُ وَيَكْرَهُهُ ، وَنَهَى عَنْهُ ، وَمَدَحَ الْمُعْرِضِينَ عَنْهُ .
الثَّالِثُ : مَسْمُوعٌ مُبَاحٌ مَأْذُونٌ فِيهِ ، لَا يُحِبُّهُ وَلَا يُبْغِضُهُ ، وَلَا مَدَحَ صَاحِبَهُ وَلَا ذَمَّهُ ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْمُبَاحَاتِ مِنَ الْمَنَاظِرِ ، وَالْمَشَامِّ ، وَالْمَطْعُومَاتِ ، وَالْمَلْبُوسَاتِ الْمُبَاحَةِ ، فَمَنْ حَرَّمَ هَذَا النَّوْعَ الثَّالِثَ فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا يَعْلَمُ ، وَحَرَّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ ، وَمَنْ جَعَلَهُ دِينًا وَقُرْبَةً يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ ، وَشَرَعَ دِينًا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ، وَضَاهَأَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ .