فصل
قال صاحب المنازل :
nindex.php?page=treesubj&link=29411_28972السماع على ثلاث درجات :
nindex.php?page=treesubj&link=29514سماع العامة ، وهو ثلاثة أشياء : إجابة زجر الوعيد رغبة ، وإجابة دعوة الوعد جهدا ، وبلوغ مشاهدة المنة استبصارا .
الوعيد يكون على ترك المأمور وفعل المحظور ، وإجابة داعيه هو العمل بالطاعة .
وقوله : رغبة ، يعني امتثالا لكون الله تعالى أمر ونهى وأوعد .
وحقيقة الرجاء : الخوف والرجاء ، فيفعل ما أمر به على نور الإيمان ، راجيا الثواب ، ويترك ما نهى عنه على نور الإيمان خائفا من العقاب .
وفي الرغبة فائدة أخرى ، وهي أن فعله يكون فعل راغب مختار ، لا فعل كاره ، كأنما يساق إلى الموت وهو ينظر .
وأما إجابة الوعد جهدا : فهو امتثال الأمر طلبا للوصول إلى الموعود به ، باذلا جهده في ذلك ، مستفرغا فيه قواه .
وأما بلوغ مشاهدة المنة استبصارا : فهو تنبه السامع في سماعه إلى أن جميع ما وصله من خير فمن منة الله عليه ، وبفضله عليه من غير استحقاق منه ، ولا بذل عوض استوجب به ذلك ، كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين .
وكذلك يشهد أن ما زوي عنه من الدنيا ، أو ما لحقه منها من ضرر وأذى فهو منة أيضا من الله عليه من وجوه كثيرة ، ويستخرجها الفكر الصحيح ، كما قال بعض السلف : يا ابن آدم ، لا تدري أي النعمتين عليك أفضل : نعمته فيما أعطاك ، أو نعمته فيما زوى عنك ؟ وقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا أبالي على أي حال أصبحت أو أمسيت ، إن كان الغنى ، إن فيه للشكر ، وإن كان الفقر ، إن فيه للصبر ، وقال بعض السلف :
[ ص: 498 ] نعمته فيما زوى عني من الدنيا أعظم من نعمته فيما بسط لي منها ، إني رأيته أعطاها قوما فاغتروا .
إذا عم بالسراء أعقب شكرها وإن مس بالضراء أعقبها الأجر وما منهما إلا له فيه نعمة
تضيق بها الأوهام والبر والبحر
فإن قلت : فهل يشهد منته فيما لحقه من المعصية والذنب ؟
قلت : نعم ، إذا اقترن بها التوبة النصوح ، والحسنات الماحية ، كانت من أعظم المنن عليه ، كما تقدم تقريره .
فَصْلٌ
قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ :
nindex.php?page=treesubj&link=29411_28972السَّمَاعُ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ :
nindex.php?page=treesubj&link=29514سَمَاعُ الْعَامَّةِ ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ : إِجَابَةُ زَجْرِ الْوَعِيدِ رَغْبَةً ، وَإِجَابَةُ دَعْوَةِ الْوَعْدِ جَهْدًا ، وَبُلُوغُ مُشَاهَدَةِ الْمِنَّةِ اسْتِبْصَارًا .
الْوَعِيدُ يَكُونُ عَلَى تَرْكِ الْمَأْمُورِ وَفِعْلِ الْمَحْظُورِ ، وَإِجَابَةُ دَاعِيهِ هُوَ الْعَمَلُ بِالطَّاعَةِ .
وَقَوْلُهُ : رَغْبَةً ، يَعْنِي امْتِثَالًا لِكَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى أَمَرَ وَنَهَى وَأَوْعَدَ .
وَحَقِيقَةُ الرَّجَاءِ : الْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ ، فَيَفْعَلُ مَا أَمَرَ بِهِ عَلَى نُورِ الْإِيمَانِ ، رَاجِيًا الثَّوَابَ ، وَيَتْرُكُ مَا نَهَى عَنْهُ عَلَى نُورِ الْإِيمَانِ خَائِفًا مِنَ الْعِقَابِ .
وَفِي الرَّغْبَةِ فَائِدَةٌ أُخْرَى ، وَهِيَ أَنَّ فِعْلَهُ يَكُونُ فِعْلَ رَاغِبٍ مُخْتَارٍ ، لَا فِعْلَ كَارِهٍ ، كَأَنَّمَا يُسَاقُ إِلَى الْمَوْتِ وَهُوَ يَنْظُرُ .
وَأَمَّا إِجَابَةُ الْوَعْدِ جَهْدًا : فَهُوَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ طَلَبًا لِلْوُصُولِ إِلَى الْمَوْعُودِ بِهِ ، بَاذِلًا جُهْدَهُ فِي ذَلِكَ ، مُسْتَفْرِغًا فِيهِ قُوَاهُ .
وَأَمَّا بُلُوغُ مُشَاهَدَةِ الْمِنَّةِ اسْتِبْصَارًا : فَهُوَ تَنَبُّهُ السَّامِعِ فِي سَمَاعِهِ إِلَى أَنَّ جَمِيعَ مَا وَصَلَهُ مِنْ خَيْرٍ فَمِنْ مِنَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَبِفَضْلِهِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ مِنْهُ ، وَلَا بَذْلِ عِوَضٍ اسْتَوْجَبَ بِهِ ذَلِكَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ .
وَكَذَلِكَ يَشْهَدُ أَنَّ مَا زُوِيَ عَنْهُ مِنَ الدُّنْيَا ، أَوْ مَا لَحِقَهُ مِنْهَا مِنْ ضَرَرٍ وَأَذًى فَهُوَ مِنَّةٌ أَيْضًا مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ، وَيَسْتَخْرِجُهَا الْفِكْرُ الصَّحِيحُ ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : يَا ابْنَ آدَمَ ، لَا تَدْرِي أَيُّ النِّعْمَتَيْنِ عَلَيْكَ أَفْضَلُ : نِعْمَتُهُ فِيمَا أَعْطَاكَ ، أَوْ نِعْمَتُهُ فِيمَا زَوَى عَنْكَ ؟ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا أُبَالِي عَلَى أَيِّ حَالٍ أَصْبَحْتُ أَوْ أَمْسَيْتُ ، إِنْ كَانَ الْغِنَى ، إِنَّ فِيهِ لِلشُّكْرِ ، وَإِنْ كَانَ الْفَقْرَ ، إِنَّ فِيهِ لِلصَّبْرِ ، وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ :
[ ص: 498 ] نِعْمَتُهُ فِيمَا زَوَى عَنِّي مِنَ الدُّنْيَا أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَتِهِ فِيمَا بَسَطَ لِي مِنْهَا ، إِنِّي رَأَيْتُهُ أَعْطَاهَا قَوْمًا فَاغْتَرُّوا .
إِذَا عَمَّ بِالسَّرَّاءِ أَعْقَبَ شُكْرَهَا وَإِنْ مَسَّ بِالضَّرَّاءِ أَعْقَبَهَا الْأَجْرُ وَمَا مِنْهُمَا إِلَّا لَهُ فِيهِ نِعْمَةٌ
تَضِيقُ بِهَا الْأَوْهَامُ وَالْبَرُّ وَالْبَحْرُ
فَإِنْ قُلْتَ : فَهَلْ يَشْهَدُ مِنَّتَهُ فِيمَا لَحِقَهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالذَّنْبِ ؟
قُلْتُ : نَعَمْ ، إِذَا اقْتَرَنَ بِهَا التَّوْبَةُ النَّصُوحُ ، وَالْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ ، كَانَتْ مِنْ أَعْظَمَ الْمِنَنِ عَلَيْهِ ، كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ .