فصل : النوع الثالث : خطاب حالي ، تكون بدايته من النفس ، وعوده إليها ، فيتوهمه من خارج ، وإنما هو من نفسه ، منها بدأ وإليها يعود .
وهذا كثيرا ما يعرض للسالك ، فيغلط فيه ، ويعتقد أنه خطاب من الله ، كلمه به منه إليه ، وسبب غلطه أن اللطيفة المدركة من الإنسان إذا صفت بالرياضة ، وانقطعت علقها عن الشواغل الكثيفة صار الحكم لها بحكم استيلاء على البدن ، ومصير الحكم لهما ، فتنصرف عناية النفس والقلب إلى تجريد المعاني التي هي متصلة بهما ، وتشتد عناية الروح بها ، وتصير في محل تلك العلائق والشواغل ، فتملأ القلب ، فتنصرف تلك المعاني إلى المنطق والخطاب القلبي الروحي بحكم العادة ، ويتفق تجرد الروح ، فتشكل تلك المعاني للقوة السامعة بشكل الأصوات المسموعة ، وللقوة الباصرة بشكل الأشخاص المرئية ، فيرى صورها ، ويسمع الخطاب ، وكله في نفسه ليس في الخارج منه شيء ، ويحلف أنه رأى وسمع ، وصدق ، لكن رأى وسمع في الخارج ، أو في نفسه ؟ [ ص: 72 ] ويتفق ضعف التمييز ، وقلة العلم ، واستيلاء تلك المعاني على الروح ، وتجردها عن الشواغل . الروح والقلب
فهذه الوجوه الثلاثة هي وجوه الخطاب ، ومن سمع نفسه غيرها فإنما هو غرور ، وخدع وتلبيس ، وهذا الموضع مقطع القول ، وهو من أجل المواضع لمن حققه وفهمه ، والله الموفق للصواب .