[ ص: 73 ] فصل
قال : " الدرجة الثالثة : إلهام يجلو عين التحقيق صرفا ، وينطق عن عين الأزل محضا ، والإلهام غاية تمتنع الإشارة إليها " .
عين التحقيق عنده هي الفناء في شهود الحقيقة ، بحيث يضمحل كل ما سواها في ذلك الشهود ، وتعود الرسوم أعداما محضة ، فالإلهام في هذه الدرجة يجلو هذا العين للملهم صرفا ، بحيث لا يمازجها شيء من إدراك العقول ولا الحواس ، فإن كان هناك إدراك عقلي أو حسي لم يتمحض جلاء عين الحقيقة ، والناطق عن هذا الكشف عندهم لا يفهم عنه إلا من هو معه ، ومشارك له ، وعند أرباب هذا الكشف أن كل الخلق عنه في حجاب ، وعندهم أن العلم والعقل والحال حجب عليه ، وأن خطاب الخلق إنما يكون على لسان الحجاب ، وأنهم لا يفهمون لغة ما وراء الحجاب من المعنى المحجوب ، فلذلك تمتنع الإشارة إليه ، والعبارة عنه ، فإن الإشارة والعبارة إنما يتعلقان بالمحسوس والمعقول ، وهذا أمر وراء الحس والعقل .
وحاصل هذا أنه إلهام ترتفع معه الوسائط وتضمحل وتعدم ، لكن في الشهود لا في الوجود ، وأما الاتحادية القائلون بوحدة الوجود فإنهم يجعلون ذلك اضمحلالا وعدما في الوجود ، ويجعلون صاحب المنازل منهم ، وهو بريء منهم عقلا ودينا وحالا ومعرفة ، والله أعلم . الإلهام