فصل
والصبر في اللغة : الحبس والكف . ومنه : قتل فلان صبرا . إذا أمسك وحبس . ومنه قوله تعالى : ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) ؛ أي احبس نفسك معهم .
. وحبس اللسان عن الشكوى . وحبس الجوارح عن التشويش . فالصبر : حبس النفس عن الجزع والتسخط
وهو ثلاثة أنواع : صبر على طاعة الله . وصبر عن معصية الله . وصبر على امتحان الله .
[ ص: 156 ] فالأولان : صبر على ما يتعلق بالكسب . والثالث : صبر على ما لا كسب للعبد فيه .
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - يقول : كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها : أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب ، وبيعه وتفريقهم بينه وبين أبيه . فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره ، لا كسب له فيها ، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر ، وأما : فصبر اختيار ورضا ومحاربة للنفس . ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة . فإنه كان شابا ، وداعية الشباب إليها قوية . وعزبا ليس له ما يعوضه ويرد شهوته . وغريبا ، والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يستحي منه من بين أصحابه ومعارفه وأهله . ومملوكا ، والمملوك أيضا ليس وازعه كوازع الحر . والمرأة جميلة ، وذات منصب . وهي سيدته . وقد غاب الرقيب . وهي الداعية له إلى نفسها . والحريصة على ذلك أشد الحرص ، ومع ذلك توعدته إن لم يفعل بالسجن والصغار . ومع هذه الدواعي كلها صبر اختيارا ، وإيثارا لما عند الله . وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه ؟ صبره عن المعصية
وكان يقول : : أكمل من الصبر على اجتناب المحرمات وأفضل; فإن مصلحة فعل الطاعة أحب إلى الشارع من مصلحة ترك المعصية . ومفسدة عدم الطاعة : أبغض إليه وأكره من مفسدة وجود المعصية . الصبر على أداء الطاعات
وله - رحمه الله - في ذلك مصنف قرره فيه بنحو من عشرين وجها . ليس هذا موضع ذكرها .
والمقصود : الكلام على الصبر وحقيقته ودرجاته ومرتبته . والله الموفق .