فصل
قال : الدرجة الثانية : الشكر في المكاره . وهذا ممن تستوي عنده الحالات : إظهارا للرضا . وممن يميز بين الأحوال : لكظم الغيظ ، وستر الشكوى . ورعاية الأدب . وسلوك مسلك العلم . وهذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة .
يعني أن : أشد وأصعب من الشكر على المحاب . ولهذا كان فوقه في الدرجة . ولا يكون إلا من أحد رجلين : الشكر على المكاره
إما رجل لا يميز بين الحالات : بل يستوي عنده المكروه والمحبوب . فشكر هذا : إظهار منه للرضا بما نزل به . وهذا مقام الرضا .
الرجل الثاني : من يميز بين الأحوال . فهو لا يحب المكروه . ولا يرضى بنزوله به . فإذا نزل به مكروه شكر الله تعالى عليه ، فكان شكره كظما للغيظ الذي أصابه ، وسترا للشكوى ، ورعاية منه للأدب ، وسلوكا لمسلك العلم . فإن العلم والأدب يأمران بشكر الله على السراء والضراء . فهو يسلك بهذا الشكر مسلك العلم . لأنه شاكر لله شكر من رضي بقضائه ، كحال الذي قبله . فالذي قبله : أرفع منه .
[ ص: 244 ] وإنما كان هذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة : لأنه قابل للمكاره - التي يقابلها أكثر الناس بالجزع والسخط ، وأوساطهم بالصبر ، وخاصتهم بالرضا - فقابلها هو بأعلى من ذلك كله . وهو الشكر . فكان أسبقهم دخولا إلى الجنة . وأول من يدعى منهم إليها .
وقسم أهل هذه الدرجة إلى قسمين : سابقين ، ومقربين بحسب انقسامهم إلى من يستوي عنده الحالات ، من المكروه والمحبوب ، فلا يؤثر أحدهما على الآخر . بل قد فني بإيثاره ما يرضى له به ربه عما يرضاه هو لنفسه . وإلى من يؤثر المحبوب ، ولكن إذا نزل به المكروه قابله بالشكر .