فصل
قال الدرجة الثالثة : . وهي التي لا تشوبها هيبة . ولا تقارنها تفرقة . ولا يوقف لها على غاية . حياء يتولد من شهود الحضرة
شهود الحضرة : انجذاب الروح والقلب من الكائنات ، وعكوفه على رب البريات ، فهو في حضرة قربه مشاهدا لها . وإذا وصل القلب إليها غشيته الهيبة وزالت عنه التفرقة . إذ ما مع الله سواه . فلا يخطر بباله في تلك الحال سوى الله وحده . وهذا مقام الجمعية .
وأما قوله : ولا يوقف لها على غاية .
فيعني أن كل من وصل إلى مطلوبه ، وظفر به : وصل إلى الغاية ، إلا صاحب هذا المشهد . فإنه لا يقف بحضرة الربوبية على غاية . فإن ذلك مستحيل . بل إذا شهد تلك الروابي . ووقف على تلك الربوع ، وعاين الحضرة التي هي غاية الغايات ، شارف أمرا لا غاية له ولا نهاية . والغايات والنهايات كلها إليه تنتهي وأن إلى ربك المنتهى فانتهت إليه الغايات والنهايات . وليس له سبحانه غاية ولا نهاية . لا في وجوده ، ولا في مزيد جوده . إذ هو الأول الذي ليس قبله شيء . والآخر الذي ليس بعده شيء . ولا نهاية لحمده وعطائه . بل كلما ازداد له العبد شكرا زاده فضلا . وكلما ازداد له طاعة زاده لمجده مثوبة . وكلما ازداد منه قربا لاح له من جلاله وعظمته ما لم يشاهده قبل ذلك . وهكذا أبدا لا يقف على غاية ولا نهاية . ولهذا جاء أن أهل الجنة في مزيد دائم بلا انتهاء فإن نعيمهم متصل ممن لا نهاية لفضله ولا لعطائه ، ولا لمزيده ولا لأوصافه . فتبارك الله ذو الجلال والإكرام إن هذا لرزقنا ما له من نفاد . . يا عبادي لو أن أولكم [ ص: 257 ] وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر