فصل
قال الدرجة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=19636إيثار رضا الله على رضا غيره . وإن عظمت فيه المحن . وثقلت فيه المؤن ، وضعف عنه الطول والبدن .
إيثار رضا الله عز وجل على غيره : هو أن يريد ويفعل ما فيه مرضاته ، ولو أغضب الخلق . وهي درجة الأنبياء . وأعلاها للرسل عليهم صلوات الله وسلامه . وأعلاها لأولي العزم منهم . وأعلاها لنبينا صلى الله عليه وسلم عليه وعليهم . فإنه قاوم العالم كله . وتجرد للدعوة إلى الله . واحتمل عداوة البعيد والقريب في الله تعالى . وآثر رضا الله على رضا الخلق من كل وجه . ولم يأخذه في إيثار رضاه لومة لائم . بل كان همه وعزمه وسعيه كله مقصورا على إيثار مرضاة الله ، وتبليغ رسالاته ، وإعلاء كلماته ، وجهاد أعدائه . حتى ظهر دين الله على كل دين . وقامت حجته على العالمين . وتمت نعمته على المؤمنين . فبلغ الرسالة . وأدى الأمانة . ونصح الأمة . وجاهد في الله حق جهاده . وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه . فلم ينل أحد من درجة هذا الإيثار ما نال . صلوات الله وسلامه عليه .
وأما قوله : وإن عظمت فيه المحن . وثقلت فيه المؤن .
فإن المحنة تعظم فيه أولا ، ليتأخر من ليس من أهله . فإذا احتملها وتقدم انقلبت تلك المحن منحا . وصارت تلك المؤن عونا . وهذا معروف بالتجربة الخاصة والعامة . فإنه ما آثر عبد مرضاة الله عز وجل على مرضاة الخلق ، وتحمل ثقل ذلك ومؤنته ، وصبر على محنته : إلا أنشأ الله من تلك المحنة والمؤنة نعمة ومسرة ، ومعونة بقدر ما تحمل من مرضاته . فانقلبت مخاوفه أمانا ، ومظان عطبه نجاة ، وتعبه راحة ، ومؤنته معونة ، وبليته نعمة ، ومحنته منحة ، وسخطه رضا . فيا خيبة المتخلفين ، ويا ذلة المتهيبين .
[ ص: 286 ] هذا ، وقد جرت سنة الله - التي لا تبديل لها - أن من آثر مرضاة الخلق على مرضاته : أن يسخط عليه من آثر رضاه ، ويخذله من جهته . ويجعل محنته على يديه . فيعود حامده ذاما . ومن آثر مرضاته ساخطا . فلا على مقصوده منهم حصل ، ولا إلى ثواب مرضاة ربه وصل . وهذا أعجز الخلق وأحمقهم .
هذا مع أن رضا الخلق : لا مقدور ، ولا مأمور ، ولا مأثور . فهو مستحيل . بل لا بد من سخطهم عليك . فلأن يسخطوا عليك وتفوز برضا الله عنك أحب إليك وأنفع لك من أن يسخوا عليك والله عنك غير راض . فإذا كان سخطهم لا بد منه - على التقديرين - فآثر سخطهم الذي ينال به رضا الله . فإن هم رضوا عنك بعد هذا ، وإلا فأهون شيء رضا من لا ينفعك رضاه ، ولا يضرك سخطه في دينك ، ولا في إيمانك ، ولا في آخرتك . فإن ضرك في أمر يسير في الدنيا فمضرة سخط الله أعظم وأعظم . وخاصة العقل : احتمال أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما . وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما . فوازن بعقلك . ثم انظر أي الأمرين خير فآثره ، وأيهما شر فابعد عنه . فهذا برهان قطعي ضروري في إيثار رضا الله على رضا الخلق .
هذا مع أنه إذا آثر رضا الله كفاه الله مؤنة غضب الخلق . وإذا آثر رضاهم لم يكفوه مؤنة غضب الله عليه .
قال بعض السلف : لمصانعة وجه واحد أيسر عليك من مصانعة وجوه كثيرة . إنك إذا صانعت ذلك الوجه الواحد كفاك الوجوه كلها .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه : رضا الناس غاية لا تدرك . فعليك بما فيه صلاح نفسك فالزمه .
ومعلوم : أنه لا صلاح للنفس إلا بإيثار رضا ربها ومولاها على غيره . ولقد أحسن
أبو فراس في هذا المعنى - إلا أنه أساء كل الإساءة في قوله ، إذ يقوله لمخلوق لا يملك له ولا لنفسه نفعا ولا ضرا :
فليتك تحلو ، والحياة مريرة وليتك ترضى . والأنام غضاب [ ص: 287 ] وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين
وكل الذي فوق التراب تراب
ثم ذكر الشيخ - رحمه الله - ما يستطاع به هذا الإيثار العظيم الشأن . فقال :
ويستطاع هذا بثلاثة أشياء : بطيب العود . وحسن الإسلام . وقوة الصبر .
من المعلوم : أن المؤثر لرضا الله متصد لمعاداة الخلق وأذاهم ، وسعيهم في إتلافه ولا بد . هذه سنة الله في خلقه . وإلا فما ذنب الأنبياء والرسل . والذين يأمرون بالقسط من الناس ، والقائمين بدين الله ، الذابين عن كتابه وسنة رسوله عندهم ؟
nindex.php?page=treesubj&link=19636_29548فمن آثر رضا الله فلا بد أن يعاديه رذالة العالم وسقطهم ، وغرثاهم وجهالهم ، وأهل البدع والفجور منهم ، وأهل الرياسات الباطلة ، وكل من يخالف هديه هديه . فما يقدم على معاداة هؤلاء إلا طالب الرجوع إلى الله ، عامل على سماع خطاب
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=27ياأيتها النفس المطمئنة nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=28ارجعي إلى ربك راضية مرضية ومن إسلامه صلب كامل لا تزعزعه الرجال . ولا تقلقله الجبال ، ومن عقد عزيمة صبره محكم لا تحله المحن والشدائد والمخاوف .
قلت : وملاك ذلك أمران : الزهد في الحياة والثناء . فما ضعف من ضعف ، وتأخر من تأخر إلا بحبه للحياة والبقاء ، وثناء الناس عليه ، ونفرته من ذمهم له . فإذا زهد في هذين الشيئين ، تأخرت عنه العوارض كلها . وانغمس حينئذ في العساكر .
وملاك هذين الشيئين بشيئين : صحة اليقين . وقوة المحبة .
وملاك هذين بشيئين أيضا : بصدق اللجأ والطلب ، والتصدي للأسباب الموصلة إليهما .
فإلى هاهنا تنتهي معرفة الخلق وقدرتهم . والتوفيق بعد بيد من أزمة الأمور كلها بيده
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=30وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=31يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما .
فَصْلٌ
قَالَ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=19636إِيثَارُ رِضَا اللَّهِ عَلَى رِضَا غَيْرِهِ . وَإِنْ عَظُمَتْ فِيهِ الْمِحَنُ . وَثَقُلَتْ فِيهِ الْمُؤَنُ ، وَضَعُفَ عَنْهُ الطَّوْلُ وَالْبَدَنُ .
إِيثَارُ رِضَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى غَيْرِهِ : هُوَ أَنْ يُرِيدَ وَيَفْعَلَ مَا فِيهِ مَرْضَاتُهُ ، وَلَوْ أَغْضَبَ الْخَلْقَ . وَهِيَ دَرَجَةُ الْأَنْبِيَاءِ . وَأَعْلَاهَا لِلرُّسُلِ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ . وَأَعْلَاهَا لِأُولِي الْعَزْمِ مِنْهُمْ . وَأَعْلَاهَا لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ . فَإِنَّهُ قَاوَمَ الْعَالَمَ كُلَّهُ . وَتَجَرَّدَ لِلدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ . وَاحْتَمَلَ عَدَاوَةَ الْبَعِيدِ وَالْقَرِيبِ فِي اللَّهِ تَعَالَى . وَآثَرَ رِضَا اللَّهِ عَلَى رِضَا الْخَلْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ . وَلَمْ يَأْخُذْهُ فِي إِيثَارِ رِضَاهُ لَوْمَةُ لَائِمٍ . بَلْ كَانَ هَمُّهُ وَعَزْمُهُ وَسَعْيُهُ كُلُّهُ مَقْصُورًا عَلَى إِيثَارِ مَرْضَاةِ اللَّهِ ، وَتَبْلِيغِ رِسَالَاتِهِ ، وَإِعْلَاءِ كَلِمَاتِهِ ، وَجِهَادِ أَعْدَائِهِ . حَتَّى ظَهَرَ دِينُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ دِينٍ . وَقَامَتْ حُجَّتُهُ عَلَى الْعَالَمِينَ . وَتَمَّتْ نِعْمَتُهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ . فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ . وَأَدَّى الْأَمَانَةَ . وَنَصَحَ الْأُمَّةَ . وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ . وَعَبَدَ اللَّهَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ مِنْ رَبِّهِ . فَلَمْ يَنَلْ أَحَدٌ مِنْ دَرَجَةِ هَذَا الْإِيثَارِ مَا نَالَ . صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : وَإِنْ عَظُمَتْ فِيهِ الْمِحَنُ . وَثَقُلَتْ فِيهِ الْمُؤَنُ .
فَإِنَّ الْمِحْنَةَ تَعْظُمُ فِيهِ أَوْلًا ، لِيَتَأَخَّرَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ . فَإِذَا احْتَمَلَهَا وَتَقَدَّمَ انْقَلَبَتْ تِلْكَ الْمِحَنُ مِنَحًا . وَصَارَتْ تِلْكَ الْمُؤَنُ عَوْنًا . وَهَذَا مَعْرُوفٌ بِالتَّجْرِبَةِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ . فَإِنَّهُ مَا آثَرَ عَبْدٌ مَرْضَاةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَرْضَاةِ الْخَلْقِ ، وَتَحَمَّلَ ثِقَلَ ذَلِكَ وَمُؤْنَتَهُ ، وَصَبَرَ عَلَى مِحْنَتِهِ : إِلَّا أَنْشَأَ اللَّهُ مِنْ تِلْكَ الْمِحْنَةِ وَالْمُؤْنَةِ نِعْمَةً وَمَسَرَّةً ، وَمَعُونَةٍ بِقَدْرِ مَا تَحَمَّلَ مِنْ مَرْضَاتِهِ . فَانْقَلَبَتْ مَخَاوِفُهُ أَمَانًا ، وَمَظَانُّ عَطَبِهِ نَجَاةً ، وَتَعَبُهُ رَاحَةً ، وَمُؤْنَتُهُ مَعُونَةً ، وَبَلِيَّتُهُ نِعْمَةً ، وَمِحْنَتُهُ مِنْحَةً ، وَسُخْطُهُ رِضًا . فَيَا خَيْبَةَ الْمُتَخَلِّفِينَ ، وَيَا ذِلَّةَ الْمُتَهَيِّبِينَ .
[ ص: 286 ] هَذَا ، وَقَدْ جَرَتْ سُنَّةُ اللَّهِ - الَّتِي لَا تَبْدِيلَ لَهَا - أَنَّ مَنْ آثَرَ مَرْضَاةَ الْخَلْقِ عَلَى مَرْضَاتِهِ : أَنْ يُسْخِطَ عَلَيْهِ مَنْ آثَرَ رِضَاهُ ، وَيَخْذُلَهُ مِنْ جِهَتِهِ . وَيَجْعَلَ مِحْنَتَهُ عَلَى يَدَيْهِ . فَيَعُودَ حَامِدُهُ ذَامًّا . وَمَنْ آثَرَ مَرْضَاتَهُ سَاخِطًا . فَلَا عَلَى مَقْصُودِهِ مِنْهُمْ حَصَلَ ، وَلَا إِلَى ثَوَابِ مَرْضَاةِ رَبِّهِ وَصَلَ . وَهَذَا أَعْجَزُ الْخَلْقِ وَأَحْمَقُهُمْ .
هَذَا مَعَ أَنَّ رِضَا الْخَلْقِ : لَا مَقْدُورٌ ، وَلَا مَأْمُورٌ ، وَلَا مَأْثُورٌ . فَهُوَ مُسْتَحِيلٌ . بَلْ لَا بُدَّ مِنْ سُخْطِهِمْ عَلَيْكَ . فَلَأَنْ يَسْخَطُوا عَلَيْكَ وَتَفُوزَ بِرِضَا اللَّهِ عَنْكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ وَأَنْفَعُ لَكَ مِنْ أَنْ يَسْخَوْا عَلَيْكَ وَاللَّهُ عَنْكَ غَيْرُ رَاضٍ . فَإِذَا كَانَ سُخْطُهُمْ لَا بُدَّ مِنْهُ - عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ - فَآثِرْ سُخْطَهُمُ الَّذِي يُنَالُ بِهِ رِضَا اللَّهِ . فَإِنْ هُمْ رَضُوا عَنْكَ بَعْدَ هَذَا ، وَإِلَّا فَأَهْوَنُ شَيْءٍ رِضَا مَنْ لَا يَنْفَعُكَ رِضَاهُ ، وَلَا يَضُرُّكَ سُخْطُهُ فِي دِينِكَ ، وَلَا فِي إِيمَانِكَ ، وَلَا فِي آخِرَتِكَ . فَإِنْ ضَرَّكَ فِي أَمْرٍ يَسِيرٍ فِي الدُّنْيَا فَمَضَرَّةُ سُخْطِ اللَّهِ أَعْظَمُ وَأَعْظَمُ . وَخَاصَّةً الْعَقْلُ : احْتِمَالُ أَدْنَى الْمَفْسَدَتَيْنِ لِدَفْعِ أَعْلَاهُمَا . وَتَفْوِيتُ أَدْنَى الْمَصْلَحَتَيْنِ لِتَحْصِيلِ أَعْلَاهُمَا . فَوَازِنْ بِعَقْلِكَ . ثُمَّ انْظُرْ أَيَّ الْأَمْرَيْنِ خَيْرٌ فَآثِرْهُ ، وَأَيَّهُمَا شَرٌّ فَابْعُدْ عَنْهُ . فَهَذَا بُرْهَانٌ قَطْعِيٌّ ضَرُورِيٌّ فِي إِيثَارِ رِضَا اللَّهِ عَلَى رِضَا الْخَلْقِ .
هَذَا مَعَ أَنَّهُ إِذَا آثَرَ رِضَا اللَّهِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ غَضَبِ الْخَلْقِ . وَإِذَا آثَرَ رِضَاهُمْ لَمْ يَكْفُوهُ مُؤْنَةَ غَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِ .
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : لَمُصَانَعَةُ وَجْهٍ وَاحِدٍ أَيْسَرُ عَلَيْكَ مِنْ مُصَانَعَةِ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ . إِنَّكَ إِذَا صَانَعْتَ ذَلِكَ الْوَجْهَ الْوَاحِدَ كَفَاكَ الْوُجُوهَ كُلَّهَا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : رِضَا النَّاسِ غَايَةٌ لَا تُدْرَكُ . فَعَلَيْكَ بِمَا فِيهِ صَلَاحُ نَفْسِكَ فَالْزَمْهُ .
وَمَعْلُومٌ : أَنَّهُ لَا صَلَاحَ لِلنَّفْسِ إِلَّا بِإِيثَارِ رِضَا رَبِّهَا وَمَوْلَاهَا عَلَى غَيْرِهِ . وَلَقَدْ أَحْسَنَ
أَبُو فِرَاسٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى - إِلَّا أَنَّهُ أَسَاءَ كُلَّ الْإِسَاءَةِ فِي قَوْلِهِ ، إِذْ يَقُولُهُ لِمَخْلُوقٍ لَا يَمْلِكُ لَهُ وَلَا لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا :
فَلَيْتَكَ تَحْلُو ، وَالْحَيَاةُ مَرِيرَةٌ وَلَيْتَكَ تَرْضَى . وَالْأَنَامُ غِضَابُ [ ص: 287 ] وَلَيْتَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ عَامِرٌ
وَبَيْنِي وَبَيْنَ الْعَالَمِينَ خَرَابُ إِذَا صَحَّ مِنْكَ الْوُدُّ فَالْكُلُّ هَيِّنٌ
وَكُلُّ الَّذِي فَوْقَ التُّرَابِ تُرَابُ
ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يُسْتَطَاعُ بِهِ هَذَا الْإِيثَارُ الْعَظِيمُ الشَّأْنِ . فَقَالَ :
وَيُسْتَطَاعُ هَذَا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : بِطِيبِ الْعَوْدِ . وَحُسْنِ الْإِسْلَامِ . وَقُوَّةِ الصَّبْرِ .
مِنَ الْمَعْلُومِ : أَنَّ الْمُؤْثِرَ لِرِضَا اللَّهِ مُتَصَدٍّ لِمُعَادَاةِ الْخَلْقِ وَأَذَاهُمْ ، وَسَعْيِهِمْ فِي إِتْلَافِهِ وَلَا بُدَّ . هَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ . وَإِلَّا فَمَا ذَنْبُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ . وَالَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ ، وَالْقَائِمِينَ بِدِينِ اللَّهِ ، الذَّابِّينَ عَنْ كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ عِنْدَهُمْ ؟
nindex.php?page=treesubj&link=19636_29548فَمَنْ آثَرَ رِضَا اللَّهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعَادِيَهُ رَذَالَةُ الْعَالَمِ وَسَقْطُهُمْ ، وَغَرْثَاهُمْ وَجُهَّالُهُمْ ، وَأَهْلُ الْبِدَعِ وَالْفُجُورِ مِنْهُمْ ، وَأَهْلُ الرِّيَاسَاتِ الْبَاطِلَةِ ، وَكُلُّ مَنْ يُخَالِفُ هَدْيُهُ هَدْيَهُ . فَمَا يَقْدَمُ عَلَى مُعَادَاةِ هَؤُلَاءِ إِلَّا طَالِبُ الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ ، عَامِلٌ عَلَى سَمَاعِ خِطَابِ
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=27يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=28ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً وَمِنْ إِسْلَامِهِ صُلْبٌ كَامِلٌ لَا تُزَعْزِعُهُ الرِّجَالُ . وَلَا تُقَلْقِلُهُ الْجِبَالُ ، وَمِنْ عَقْدَ عَزِيمَةِ صَبْرِهِ مُحْكَمٌ لَا تَحُلُّهُ الْمِحَنُ وَالشَّدَائِدُ وَالْمَخَاوِفُ .
قُلْتُ : وَمِلَاكُ ذَلِكَ أَمْرَانِ : الزُّهْدُ فِي الْحَيَاةِ وَالثَّنَاءُ . فَمَا ضَعُفَ مَنْ ضَعُفَ ، وَتَأَخَّرَ مَنْ تَأَخَّرَ إِلَّا بِحُبِّهِ لِلْحَيَاةِ وَالْبَقَاءِ ، وَثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ ، وَنُفْرَتِهِ مِنْ ذَمِّهِمْ لَهُ . فَإِذَا زَهِدَ فِي هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ ، تَأَخَّرَتْ عَنْهُ الْعَوَارِضُ كُلُّهَا . وَانْغَمَسَ حِينَئِذٍ فِي الْعَسَاكِرِ .
وَمِلَاكُ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ بِشَيْئَيْنِ : صِحَّةِ الْيَقِينِ . وَقُوَّةِ الْمَحَبَّةِ .
وَمِلَاكُ هَذَيْنِ بِشَيْئَيْنِ أَيْضًا : بِصِدْقِ اللَّجَأِ وَالطَّلَبِ ، وَالتَّصَدِّي لِلْأَسْبَابِ الْمُوصِلَةِ إِلَيْهِمَا .
فَإِلَى هَاهُنَا تَنْتَهِي مَعْرِفَةُ الْخَلْقِ وَقُدْرَتُهُمْ . وَالتَّوْفِيقُ بَعْدُ بَيْدِ مَنْ أَزِمَّةُ الْأُمُورِ كُلِّهَا بِيَدِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=30وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=31يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا .