قال : الدرجة الثالثة : . وهو أن لا تزايل المشاهدة أبدا . ولا تخلط بهمتك أحدا . وتجعل هجرتك إلى الحق سرمدا . الإحسان في الوقت
أي لا تفارق حال الشهود . وهذا إنما يقدر عليه أهل التمكن الذين ظفروا بنفوسهم وقطعوا المسافات التي بين النفس وبين القلب . والمسافات التي بين القلب وبين الله ، بمجاهدة القطاع التي على تلك المسافات .
قوله : ولا تخلط بهمتك أحدا .
يعني : أن تعلق همتك بالحق وحده . ولا تعلق همتك بأحد غيره . فإن ذلك شرك في طريق الصادقين .
قوله : وأن تجعل هجرتك إلى الحق سرمدا .
يعني : أن كل متوجه إلى الله بالصدق والإخلاص ، فإنه من المهاجرين إليه . فلا ينبغي أن يتخلف عن هذه الهجرة ، بل ينبغي أن يصحبها سرمدا . حتى يلحق بالله عز وجل .
فما هي إلا ساعة . ثم تنقضي ويحمد غب السير من هو سائر
ولله على كل قلب هجرتان . وهما فرض لازم له على الأنفاس :هجرة إلى الله سبحانه بالتوحيد والإخلاص ، والإنابة والحب ، والخوف والرجاء والعبودية .
[ ص: 434 ] وهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم : بالتحكيم له والتسليم والتفويض ، والانقياد لحكمه ، وتلقي أحكام الظاهر والباطن من مشكاته . فيكون تعبده به أعظم من تعبد الركب بالدليل الماهر في ظلم الليل ، ومتاهات الطريق .
فما لم يكن لقلبه هاتان الهجرتان فليحث على رأسه الرماد . وليراجع الإيمان من أصله . فيرجع وراءه ليقتبس نورا ، قبل أن يحال بينه وبينه ، ويقال له ذلك على الصراط من وراء السور . والله المستعان .