[ ص: 356 ] فصل البقاء
قال الشيخ : ( باب البقاء ) قال الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=73والله خير وأبقى .
البقاء الذي يشير إليه القوم : هو صفة العبد ومقامه ، والبقاء في الآية : هو
nindex.php?page=treesubj&link=29713بقاء الرب ، ودوام وجوده ، وإنما ذكره مؤمنو السحرة في هذا المكان ؛ لأن عدو الله فرعون توعدهم على الإيمان بإتلاف حياتهم ، وإفناء ذواتهم ، فقالوا له : وإن فعلت ذلك ، فالذي آمنا به وانتقلنا من عبوديتك إلى عبوديته ، ومن طلب رضاك والمنزلة عندك إلى طلب رضاه والمنزلة عنده - خير منك وأدوم ، وعذابك ونعيمك ينقطع ويفرغ ، وعذابه هو ونعيمه وكرامته لا تنقطع ولا تبيد ، فكيف نؤثر المنقطع الفاني الأدنى ، على الباقي المستمر الأعلى ؟
ولكن وجه الإشارة بالآية أن الوسائل والتعلقات والمحبة والإرادة تابعة لغاياتها ومحبوبها ومرادها ، فمن كانت غاية محبته وإرادته منقطعة انقطع تعلقه عند انقطاعها ، وذهب عمله وسعيه واضمحل ، ومن كان مطلوبه وغايته باقيا دائما لا زوال له ولا فناء ، ولا يضمحل ولا يتلاشى دام تعلقه ونعيمه به بدوامه ، فالوسائل تابعة للغايات ، والتعلقات تابعة لمتعلقاتها ، والمحبة تابعة للمحبوب ، فليس المحبوب الذي يتلاشى ويضمحل ويفنى كالمحبوب الذي كل شيء هالك إلا وجهه فالمحب باق ببقاء محبوبه ، يشرف بشرفه ، ويعظم خطره بحسب محبوبه ، ويستغني بغناه ، ويقوى بقوته ، ويعز بعزه ، ويعظم شأنه في النفوس بخدمته وإرادته ومحبته ، تالله لولا حجاب الغفلة والعوائد والهوى والمخالفات لذاق القلب أعظم الألم بتعلقه بغير الحبيب الأول ، ولذاق أعظم اللذة والسرور بتعلقه به ، فالله المستعان .
[ ص: 356 ] فَصْلٌ الْبَقَاءُ
قَالَ الشَّيْخُ : ( بَابُ الْبَقَاءِ ) قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=73وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى .
الْبَقَاءُ الَّذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ الْقَوْمُ : هُوَ صِفَةُ الْعَبْدِ وَمَقَامُهُ ، وَالْبَقَاءُ فِي الْآيَةِ : هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=29713بَقَاءُ الرَّبِّ ، وَدَوَامُ وَجُودِهِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُؤْمِنُو السَّحَرَةِ فِي هَذَا الْمَكَانِ ؛ لِأَنَّ عَدُوَّ اللَّهِ فِرْعَوْنَ تَوَعَّدَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ بِإِتْلَافِ حَيَاتِهِمْ ، وَإِفْنَاءِ ذَوَاتِهِمْ ، فَقَالُوا لَهُ : وَإِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ ، فَالَّذِي آمَنَّا بِهِ وَانْتَقَلْنَا مِنْ عُبُودِيَّتِكَ إِلَى عُبُودِيَّتِهِ ، وَمِنْ طَلَبِ رِضَاكَ وَالْمَنْزِلَةِ عِنْدَكَ إِلَى طَلَبِ رِضَاهُ وَالْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُ - خَيْرٌ مِنْكَ وَأَدْوَمُ ، وَعَذَابُكَ وَنَعِيمُكَ يَنْقَطِعُ وَيَفْرَغُ ، وَعَذَابُهُ هُوَ وَنَعِيمُهُ وَكَرَامَتُهُ لَا تَنْقَطِعُ وَلَا تَبِيدُ ، فَكَيْفَ نُؤْثِرُ الْمُنْقَطِعَ الْفَانِيَ الْأَدْنَى ، عَلَى الْبَاقِي الْمُسْتَمِرِّ الْأَعْلَى ؟
وَلَكِنْ وَجْهُ الْإِشَارَةِ بِالْآيَةِ أَنَّ الْوَسَائِلَ وَالتَّعَلُّقَاتِ وَالْمَحَبَّةَ وَالْإِرَادَةَ تَابِعَةٌ لِغَايَاتِهَا وَمَحْبُوبِهَا وَمُرَادِهَا ، فَمَنْ كَانَتْ غَايَةُ مَحَبَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ مُنْقَطِعَةً انْقَطَعَ تَعَلُّقُهُ عِنْدَ انْقِطَاعِهَا ، وَذَهَبَ عَمَلُهُ وَسَعْيُهُ وَاضْمَحَلَّ ، وَمَنْ كَانَ مَطْلُوبُهُ وَغَايَتُهُ بَاقِيًا دَائِمًا لَا زَوَالَ لَهُ وَلَا فَنَاءَ ، وَلَا يَضْمَحِلُّ وَلَا يَتَلَاشَى دَامَ تَعَلُّقُهُ وَنَعِيمُهُ بِهِ بِدَوَامِهِ ، فَالْوَسَائِلُ تَابِعَةٌ لِلْغَايَاتِ ، وَالتَّعَلُّقَاتُ تَابِعَةٌ لِمُتَعَلِّقَاتِهَا ، وَالْمَحَبَّةُ تَابِعَةٌ لِلْمَحْبُوبِ ، فَلَيْسَ الْمَحْبُوبُ الَّذِي يَتَلَاشَى وَيَضْمَحِلُّ وَيَفْنَى كَالْمَحْبُوبِ الَّذِي كَلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ فَالْمُحِبُّ بَاقٍ بِبَقَاءِ مَحْبُوبِهِ ، يَشْرُفُ بِشَرَفِهِ ، وَيَعْظُمُ خَطَرُهُ بِحَسَبِ مَحْبُوبِهِ ، وَيَسْتَغْنِي بِغِنَاهُ ، وَيَقْوَى بِقُوَّتِهِ ، وَيَعِزُّ بِعِزِّهِ ، وَيَعْظُمُ شَأْنُهُ فِي النُّفُوسِ بِخِدْمَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ ، تَاللَّهِ لَوْلَا حِجَابُ الْغَفْلَةِ وَالْعَوَائِدُ وَالْهَوَى وَالْمُخَالَفَاتُ لَذَاقَ الْقَلْبُ أَعْظَمَ الْأَلَمِ بِتَعَلُّقِهِ بِغَيْرِ الْحَبِيبِ الْأَوَّلِ ، وَلَذَاقَ أَعْظَمَ اللَّذَّةِ وَالسُّرُورِ بِتَعَلُّقِهِ بِهِ ، فَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .