( فصل ) :
وأما الفرقة الثالثة فتحرم على الرجل حليلة ابنه من صلبه بالنص وهو قوله عز وجل : { فحليلة الابن من الصلب وابن الابن وابن البنت وإن سفل وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } وذكر الصلب جاز أن يكون لبيان الخاصية وإن لم يكن الابن إلا من الصلب لقوله تعالى : { ولا طائر يطير بجناحيه } وإن كان الطائر لا يطير إلا بجناحيه وجاز أن يكون لبيان القسمة والتنويع ; لأن الابن قد يكون من الصلب وقد يكون من الرضاع وقد يكون بالتبني أيضا على ما ذكر في سبب نزول الآية ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج امرأة زيد بن حارثة بعد ما طلقها زيد وكان ابنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالتبني فعابه المنافقون على ذلك ، وقالوا : إنه تزوج بحليلة ابنه فنزل قوله تعالى : { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } وكذلك قوله تعالى : { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا } ولأن حليلة الابن لو لم تحرم على الأب فإذا طلقها الابن ربما يندم على ذلك ويريد العود إليها فإذا تزوجها أبوه أورث ذلك الضغينة بينهما .
والضغينة تورث القطيعة ، وقطع الرحم حرام فيجب أن يحرم حتى لا يؤدي إلى الحرام ولهذا حرمت منكوحة الأب على الابن كذا هذا سواء كان دخل بها الابن أو لم يدخل بها ; لأن النص مطلق عن شرط الدخول والمعنى لا يوجب الفصل أيضا على ما ذكرنا ; ولأن العقد سبب إلى الدخول والسبب يقام مقام المسبب في موضع الاحتياط على ما مر ، وحليلة ابن الابن وابن البنت وإن سفل تحرم بالإجماع أو بما ذكرنا من المعنى لا بعين النص ; لأن ابن الابن يسمى ابنا مجازا لا حقيقة فإذا صارت الحقيقة مرادة لم يبق المجاز مرادا لنا إلا على قول من يقول : إنه يجوز أن يرادا من لفظ واحد - والله الموفق - .