( فصل ) :
ومنها ، فلا يجوز للمسلم أن ينكح المشركة ; لقوله تعالى : { أن لا تكون المرأة مشركة إذا كان الرجل مسلما ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } ، ويجوز أن ينكح الكتابية ; لقوله عز وجل : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } .
والفرق أن الأصل أن لا يجوز للمسلم أن ينكح الكافرة ; لأن ازدواج الكافرة والمخالطة معها مع قيام العداوة الدينية لا يحصل السكن والمودة الذي هو قوام مقاصد النكاح إلا أنه جوز نكاح الكتابية ; لرجاء إسلامها ; لأنها آمنت بكتب الأنبياء والرسل في الجملة ، وإنما نقضت الجملة بالتفصيل بناء على أنها أخبرت عن الأمر على خلاف حقيقته ، فالظاهر أنها متى نبهت على حقيقة الأمر تنبهت ، وتأتي بالإيمان على التفصيل على حسب ما كانت أتت به على الجملة هذا هو الظاهر من حال التي بني أمرها على الدليل دون الهوى والطبع ، والزوج يدعوها إلى الإسلام وينبهها على حقيقة الأمر فكان في نكاح المسلم إياها رجاء إسلامها فجوز نكاحها لهذه العاقبة الحميدة بخلاف المشركة ، فإنها في اختيارها الشرك ما ثبت أمرها على الحجة بل على التقليد بوجود الإباء عن ذلك من غير أن ينتهي ذلك الخبر ممن يجب قبول قوله واتباعه - وهو الرسول - فالظاهر أنها لا تنظر في الحجة ولا تلتفت إليها عند الدعوة فيبقى ازدواج الكافر مع قيام العداوة الدينية المانعة عن السكن والازدواج والمودة خاليا عن العاقبة الحميدة فلم يجز إنكاحها .
وسواء كانت الكتابية حرة أو أمة عندنا .
وقال : ( لا يجوز نكاح الأمة الكتابية ويحل وطؤها بملك اليمين ) واحتج بقوله تعالى : { الشافعي ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } والكتابية مشركة على الحقيقة ; لأن المشرك من يشرك بالله تعالى في الألوهية ، وأهل الكتاب كذلك قال الله تعالى : { وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله } وقالت النصارى { إن الله ثالث ثلاثة } سبحانه وتعالى عما يقولون ، فعموم النص يقتضي حرمة نكاح جميع المشركات إلا أنه خص منه الحرائر من الكتابيات بقوله تعالى : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } وهن الحرائر فبقيت الإماء منهن على ظاهر العموم ، ولأن جواز نكاح الإماء في الأصل ثبت بطريق الضرورة لما ذكرنا فيما تقدم ، والضرورة تندفع بنكاح الأمة المؤمنة [ ص: 271 ] ولنا عمومات النكاح نحو قوله عز وجل : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وقوله عز وجل : { فانكحوهن بإذن أهلهن } وقوله عز وجل : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } وغير ذلك من غير فصل بين الأمة المؤمنة والأمة الكافرة الكتابية إلا ما خص بدليل .
وأما الآية فهي في غير الكتابيات من المشركات ; لأن أهل الكتاب ، وإن كانوا مشركين على الحقيقة لكن هذا الاسم في متعارف الناس يطلق على المشركين من غير أهل الكتاب قال الله تعالى : { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين } .
وقال تعالى : { إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم } فصل بين الفريقين في الاسم على أن الكتابيات ، وإن دخلن تحت عموم اسم المشركات بحكم ظاهر اللفظ لكنهن خصصن عن العموم بقوله تعالى : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } وأما الكتابيات إذا كن عفائف يستحققن هذا الاسم ; لأن الإحصان في كلام العرب عبارة عن المنع ، ومعنى المنع يحصل بالعفة والصلاح كما يحصل بالحرية والإسلام والنكاح ; لأن ذلك مانع المرأة عن ارتكاب الفاحشة ، فيتناولهن عموم اسم المحصنات ، وقوله : ( الأصل في نكاح الإماء الفساد ) ممنوع بل الأصل في النكاح هو الجواز حرة كانت المنكوحة أو أمة مسلمة أو كتابية لما مر أن النكاح عقد مصلحة ، والأصل في المصالح إطلاق الاستيفاء ، والمنع عنه لمعنى في غيره على ما عرف ، ولا يجوز للمسلم ; لأن نكاح المجوسية المجوس ليسوا من أهل الكتاب قال الله تبارك وتعالى : { وهذا كتاب أنزلناه مبارك } إلى قوله : { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } معناه والله أعلم ، أي : أنزلت عليكم لئلا تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا .
ولو كان المجوس من أهل الكتاب لكان أهل الكتاب ثلاث طوائف فيؤدي إلى الخلف في خبره عز وجل ، وذلك محال على أن هذا لو كان حكاية عن قول المشركين لكان دليلا على ما قلنا ; لأنه حكى عنهم القول ولم يعقبه بالإنكار عليهم والتكذيب إياهم ، والحكيم إذا حكى عن منكر غيره ، والأصل فيه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { بالمجوس سنة أهل الكتاب غير أنكم ليسوا ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم } ودل قوله " سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب " على أنهم ليسوا من أهل الكتاب ولا يحل وطؤها بملك اليمين أيضا ، والأصل أن لا يحل وطء كافرة بنكاح ولا بملك يمين إلا الكتابية خاصة ; لقوله تعالى : { سنوا ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } واسم النكاح يقع على العقد والوطء جميعا فيحرمان جميعا ومن كان حكمه حكم أهل الكتاب ; لأنه لو كان أحد أبويه مسلما يعطى له حكم الإسلام ; لأن الإسلام يعلو ولا يعلى ، فكذا إذا كان كتابيا يعطى له حكم كان أحد أبويه كتابيا والآخر مجوسيا أهل الكتاب ، ولأن الكتابي له بعض أحكام أهل الإسلام - وهو المناكحة - وجواز الذبيحة - والإسلام يعلو بنفسه وبأحكامه ، ولأن رجاءه الإسلام من الكتابي أكثر ، فكان أولى بالاستتباع .
وأما فقد قال الصابئات : إنه يجوز للمسلم نكاحهن وقال أبو حنيفة أبو يوسف : لا يجوز ، وقيل : ليس هذا باختلاف في الحقيقة ، وإنما الاختلاف لاشتباه مذهبهم ، فعند ومحمد هم قوم يؤمنون بكتاب فإنهم يقرءون الزبور ولا يعبدون الكواكب ولكن يعظمونها كتعظيم المسلمين أبي حنيفة الكعبة في الاستقبال إليها إلا أنهم يخالفون غيرهم من أهل الكتاب في بعض دياناتهم وذا لا يمنع المناكحة كاليهود مع النصارى ، وعند أبي يوسف أنهم قوم يعبدون الكواكب ، وعابد الكواكب كعابد الوثن فلا يجوز للمسلمين مناكحاتهم . ومحمد