[ ص: 330 ] فصل ) :
وأما ، فهذا الخيار يبطل بالإبطال نصا ، ودلالة من قول أو فعل يدل على الرضا بالنكاح على ما بينا في خيار الإدراك ، ويبطل بالقيام عن المجلس ; لأنه دليل الإعراض كخيار المخيرة ، ولا يبطل بالسكوت بل يمتد إلى آخر المجلس إذا لم يوجد منها دليل الإعراض كخيار المخيرة ; لأن السكوت يحتمل أن يكون لرضاها بالمقام معه ، ويحتمل أن يكون للتأمل ; لأن بالعتق ازداد الملك عليها ، فتحتاج إلى التأمل ، ولا بد للتأمل من زمان ، فقدر ذلك بالمجلس كما في خيار المخيرة . ما يبطل به
وخيار القبول في البيع بخلاف خيار البلوغ أنه يبطل بالسكوت من البكر ; لأن بالبلوغ ما ازداد الملك ، فلا حاجة إلى التأمل ، فلم يكن سكوتها للتأمل ، فكان دليل الرضا ، وفي خيار المخيرة ثبت المجلس بإجماع الصحابة رضي الله عنهم غير معقول ; ولأنه لما ازداد الملك عليها جعلها العقد السابق في حق الزيادة بمنزلة إنشاء النكاح ، فيتقيد بالمجلس ، وإذا اختارت نفسها حتى وقت الفرقة كانت فرقة بغير طلاق لما نذكر إن شاء الله تعالى ، فلا تفتقر هذه الفرقة إلى قضاء القاضي بخلاف الفرقة بخيار البلوغ ، ووجه الفرق بينهما قد ذكرناه فيما تقدم ، والله عز وجل أعلم ، وأما ، فليس بشرط لبقاء النكاح لازما حتى لو عجز عن النفقة لا يثبت لها حق المطالبة بالتفريق ، وهذا عندنا . بقاء الزوج قادرا على النفقة
وعند شرط ، ويثبت لها حق المطالبة بالتفريق احتج بقوله عز وجل { الشافعي فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } أمر عز وجل بالإمساك بالمعروف ، وقد عجز عن الإمساك بالمعروف ; لأن ذلك بإيفاء حقها في الوطء ، والنفقة ، فتعين عليه التسريح بالإحسان ، فإن فعل ، وإلا ناب القاضي منابه في التسريح ، وهو التفريق ، ولأن النفقة عوض عن ملك النكاح ، وقد فات العوض بالعجز ، فلا يبقى النكاح لازما كالمشتري إذا وجد المبيع معيبا ، والدليل عليه أن فوات العوض بالجب والعنة يمنع بقاءه لازما ، فكذا ، فوات المعوض ; لأن النكاح عقد معاوضة .
( ولنا ) أن التفريق إبطال ملك النكاح على الزوج من غير رضاه ، وهذا في الضرر ، فوق ضرر المرأة بعجز الزوج عن النفقة ; لأن القاضي يفرض النفقة على الزوج إذا طلبت المرأة الفرض ، ويأمرها بالإنفاق من مال نفسها إن كان لها مال ، وبالاستدانة إن لم يكن إلى وقت اليسار ، فتصير النفقة دينا في ذمته بقضاء القاضي ، فترجع المرأة عليه بما أنفقت إذا أيسر الزوج ، فيتأخر حقها إلى يسار الزوج ولا يبطل ، وضرر الإبطال فوق ضرر التأخير بخلاف التفريق بالجب ، والعنة ; ولأن هناك الضرر من الجانبين جميعا ضرر إبطال الحق ; لأن حق المرأة يفوت عن الوطء ، وضررها أقوى ; لأن الزوج لا يتضرر بالتفريق كثير ضرر لعجزه عن الوطء .
فأما المرأة ، فإنها محل صالح للوطء ، فلا يمكنها استيفاء حظها من هذا الزوج ، ولا من زوج آخر لمكان هذا الزوج ، فكان الرجحان لضررها ، فكان أولى بالدفع .
وأما الآية الكريمة ، فقد قيل في التفسير أن الإمساك بالمعروف هو الرجعة ، وهو أن يراجعها على قصد الإمساك ، والتسريح بالإحسان هو أن يتركها حتى تنقضي عدتها مع ما أن الإمساك بالمعروف يختلف باختلاف حال الزوج ألا ترى إلى قوله عز وجل { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } ، فالإمساك بالمعروف في حق العاجز عن النفقة بالتزام النفقة على أنه إن كان عاجزا عن الإمساك بالمعروف ، فإنما يجب عليه التسريح بالإحسان إذا كان قادرا ، ولا قدرة له على ذلك ; لأن ذلك بالتطليق مع إيفاء حقها في نفقة العدة ، وهو عاجز عن نفقة الحال ، فكيف يقدر على نفقة العدة على أن لفظ التسريح محتمل يحتمل أن يكون المراد منه التفريق بإبطال النكاح ، ويحتمل أن يكون المراد منه التفريق ، والتبعيد من حيث المكان ، وهو تخلية السبيل ، وإزالة اليد إذ حقيقة التسريح هي التخلية ، وذلك قد يكون بإزالة اليد والحبس ، وعندنا لا يبقى له ولاية الحبس ، فلا يكون حجة مع الاحتمال .
وأما قوله النفقة عوض عن ملك النكاح فممنوع ، فإن العوض ما يكون مذكورا في العقد نصا ، والنفقة غير منصوص عليها ، فلا تكون عوضا بل هي بمقابلة الاحتباس .
وعندنا ولاية الاحتباس تزول عند العجز ، ثم إن سلمنا أنه عوض لكن بقاء المعوض مستحقا يقف على استحقاق العوض في الجملة لا على وصول العوض للحال ، والنفقة ههنا مستحقة في الجملة ، وإن كانت لا تصل إليها للحال ، فيبقى العوض حقا للزوج ، والله عز وجل أعلم .