ولو طلقت امرأته الساعة ولا ينتظر به التزويج ; لأن كلمة كل ليست كلمة شرط لما قلنا لكن فيها معنى الشرط من حيث إنه يتوقف نزول الجزاء على امرأة موصوفة بصفة أنها متزوجة ، وفلانة غير موصوفة بهذه الصفة فلا يقف طلاقها عليها ولو قال كل امرأة من نسائي تدخل الدار فهي طالق وفلانة سمى بعض نسائه فإن الطلاق يقع عليها الساعة قبل أن دخل الدار لما ذكرنا فإن دخلت الدار وهي في العدة طلقت أخرى لأنها قد دخلت في عموم قوله كل امرأة من نسائي تدخل الدار ولو قال أنت ومن دخل الدار من نسائي طالق [ ص: 34 ] كانت طالقا ساعة سكت لما ذكرنا أنه أوقع الطلاق على الموصوف وهذه غير موصوفة ولو دخلت هي في هذه العدة طلقت أخرى لما بينا ، ولو قال لامرأته أنت طالق وفلانة إن تزوجتها لم يقع الطلاق على امرأته حتى يتزوج بالأخرى لأنه علق طلاقها بالشرط وهو التزوج لإتيانه بكلمة الشرط نصا فيتعلق به بخلاف الفصل الأول ، ولو قال لعبده أنت حر ومن دخل الدار من عبيدي عتق الأول للحال لما ذكرنا فإن عني أن عتقه معلق بدخول الدار لم يدين في القضاء لأنه خلاف الظاهر لانعدام التعليق بالشرط حقيقة وهو متهم فيه لما فيه من التخفيف عليه فلا يصدقه القاضي ، والله تعالى الموفق . قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق وفلانة لامرأته
وذكر في الجامع في رجل له امرأتان فقال لإحداهما أنت طالق إن دخلت هذه الدار لا بل هذه فإن دخلت الأولى الدار طلقتا ولا تطلق الثانية قبل ذلك ; لأن قوله لإحداهما أنت طالق إن دخلت هذه الدار تعليق طلاقها بشرط الدخول ، وقوله : " لا " رجوع عن تعليق طلاقها بالشرط ، وقوله " بل " إثبات تعليق طلاق هذه بالشرط ، والرجوع لا يصح ، والإثبات صحيح فبقيت فيتعلق طلاقها بالشرط ، ولو محمد عتق عبده الساعة ; لأن قوله لا بل غلامي فلان حر جملة تامة لكونها مبتدأ وخبرا فلا تفتقر إلى ما تقدم من الشرط فلا يتعلق به بخلاف ما إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق لا بل فلانة وهي امرأته أن امرأته لا تطلق الساعة ; لأن قوله لا بل فلانة غير مستقل بنفسه بل هو مفتقر إلى الكلام الأول وذلك متعلق بالشرط فيتعلق هذا أيضا ، ولو قال لعبده أنت حر إن دخلت الدار لا بل فلان لعبد له آخر لا يعتق الثاني إلا بعد دخول الدار لأنه استدرك بكلام غير مستقل فتعلق بالشرط . قال إن تزوجت فلانة فهي طالق لا بل غلامي فلان حر
وقال عن ابن سماعة في نوادره لو أن رجلا قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق لا بل هذه فدخلت الأولى الدار طلقتا ثلاثا ; لأن قوله لا بل هذه غير مستقل فأضمر فيه الشرط فصار طلاقها جزاء الدخول كطلاق الأولى ، والجزاء في حق الأولى ثلاث تطليقات كذا في حق الثانية ، ولو قال أنت طالق وطالق وطالق لا بل هذه وقع على الثانية واحدة وعلى الأولى ثلاث لأنه يضمر في حق الثانية ما يستقل به الكلام والكلام يستقل بإضمار تطليقة واحدة ألا ترى أن التطليقات ههنا متفرقة فصار كأنه قال لا بل هذه طالق بخلاف الفصل الأول ; لأن هناك علق الثلاث جملة بالدخول فلا بد من اعتبارها جملة واحدة على حسب التعليق فصارت تلك الكلمة مستدركة في حق الثانية ، ولو قال لامرأته أنت طالق إن كلمت فلانا لا بل هذه فكان على الكلام لا على الطلاق وهذا خلاف ما ذكره أبي يوسف في الجامع ويجوز أن يكون قول محمد لأنه نسقها على الكلام فتعلق طلاقها بكلام فلان ، فإن قال إن كلمت فلانا فأنت طالق لا بل هذه فقوله لا بل هذه على الطلاق ; لأنه نسقها على الجزاء فتعلق طلاقها بما تعلق به طلاق الأخرى ، قال أبي يوسف بشر عن فيمن أبي يوسف فإن الطلاق يقع على التي تزوج قبل الدخول ولا يقع على التي تزوج بعد الدخول ، وكذلك قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق إن دخلت الدار فتزوج امرأة ثم دخل الدار ثم تزوج أخرى في الجامع ; لأنه أوقع الطلاق على امرأة موصوفة بأنه تزوجها قبل الدخول والموصوفة بهذه الصفة التي تزوجها قبل الدخول لا بعد الدخول فلا تطلق المتزوجة بعد الدخول ، ونظيره إذا قال كل امرأة لي عمياء طالق إن دخلت الدار فدخل ثم عميت امرأته لا تطلق كذا هذا ، ولو بدأ بالدخول فقال إن دخلت الدار فكل امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة ثم دخل الدار ثم تزوج أخرى فإن الطلاق يقع على التي تزوج بعد الدخول ولا يقع على التي تزوج قبل الدخول ; لأنه جعل دخول الدار شرط انعقاد اليمين الثانية فصار كأنه قال عند الدخول كل امرأة أتزوجها فهي طالق فلا يدخل في ذلك ما تزوج من قبل . محمد
قال فإن نوى ما تزوج قبل أو بعد في المسألتين جميعا فليس يقع على ما نوى ولا يلزمه ذلك ; لأنه نوى ما لا يحتمله لفظه . أبو يوسف
قال بشر ولو قال : كل امرأة أتزوجها فهي طالق إن دخلت الدار فدخل الدار ثم تزوج لا يقع الطلاق فإن دخل الدار ثانيا وقع الطلاق لأنه عقد اليمين على دخول بعد التزوج لا على دخول قبله فلم يكن الدخول قبل التزوج معقودا عليه فلا تنحل به اليمين ، فإذا وجد الدخول الثاني وهو المعقود عليه وقع به الطلاق ولو قال كل امرأة أتزوجها إلى سنة فهي طالق إن كلمت فلانا فهو [ ص: 35 ] على ما يتزوج في الوقت ، سواء كان قبل الكلام أو بعده ، كذا ذكر في الجامع لأنه لما قال كل امرأة أتزوجها إلى سنة فلا بد وأن يكون للتوقيت فائدة فلو اختصت اليمين بما يتزوج قبل الكلام بطل معنى التوقيت فيصير الكلام شرطا لوقوع الطلاق المعلق بالتزوج ، ولو بدأ بالكلام فقال إن كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها إلى سنة فهي طالق فهذا يقع على ما بعد الكلام ، والتوقيت وعدم التوقيت فيه سواء ، لأنه لما بدأ بالكلام فقد جعل الكلام شرطه انعقاد اليمين فلا يدخل فيه المزوجة قبل الكلام ويكون فائدة التوقيت تخصيص العقد بمن تزوج في المدة دون ما بعدها ، والله - عز وجل - أعلم . محمد
ولو عطف الحالف على يمينه بعد السكوت فالأصل فيه ما روي عن أنه قال إذا عطف على يمينه بعد السكوت ما يوسع على نفسه لم يقبل قوله كما لا يقبل في الاستثناء بعد السكوت وإن عطف بما شدد على نفسه جاز وإذا ثبت هذا الأصل فقال أبي يوسف سمعت ابن سماعة قال في رجل قال إن دخلت فلانة الدار فهي طالق ثم سكت سكتة ثم قال وهذه يعني امرأة له أخرى فإنها تدخل في اليمين ; لأن الواو للجمع فكأنه قال وهذه طالق إن دخلت تلك الدار وفي هذا تشديد على نفسه ، وكذلك إن قال إن دخلت هذه الدار لأنه عطف على الشرط وفيه تشديد ; لأن هذا يقتضي وقوع الطلاق على الأولى بدخول كل واحدة من الدارين وفي هذا تشديد على نفسه وكذلك لو نجز فقال هذه طالق ثم سكت ثم قال وهذه طلقت الثانية ; لأنه جمع بينهما في الإيقاع وهذا تشديد على نفسه ، ولو قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار ثم سكت ثم قال وهذه يعني دارا أخرى فليس له ذلك فإن دخلت الأولى طلقت ; لأن قوله وهذه يعني دارا أخرى يقتضي زيادة في شرط اليمين الأولى لأنه إذا علق الطلاق بدخول دارين لا يقع بإحداهما وهو لا يملك تغيير شرط اليمين بعد السكوت ولأن في هذا توسيعا على نفسه فلا يجوز بعد السكوت كالاستثناء ، والله - عز وجل - أعلم . أبا يوسف