وأما فنقول له كيفيتان : إحداهما أنه طلاق بائن ; لأنه من كنايات الطلاق ، وإنها بوائن عندنا ; ولأنه طلاق بعوض ، وقد ملك الزوج العوض بقبولها فلا بد وأن تملك هي نفسها تحقيقا للمعاوضة ، ولا تملك نفسها إلا بالبائن فيكون طلاقا بائنا ; ولأنها إنما بذلت العوض لتخليص نفسها عن حبالة الزوج ولا تتخلص إلا بالبائن ; لأن الزوج يراجعها في الطلاق الرجعي فلا تتخلص ويذهب مالها بغير شيء وهذا لا يجوز فكان الواقع بائنا . بيان كيفية هذا النوع
والثانية أنه من جانب الزوج يمين وتعليق الطلاق بشرط وهو قبولها العوض ومن جانبها معاوضة المال وهو تمليك المال بعوض حتى لو ابتدأ الزوج الخلع فقال : خالعتك على ألف درهم لا يملك الزوج الرجوع عنه ولا فسخه ولا نهي المرأة عن القبول ، ولا يبطل بقيامه عن المجلس قبل قبولها ولا بشرط حضور المرأة بل يتوقف على ما وراء المجلس حتى لو كانت غائبة فبلغها فلها القبول ، لكن في مجلسها ; لأنه في جانبها معاوضة لما نذكر ، وله أن يعلقه بشرط ويضيفه إلى وقت نحو أن يقول : إذا قدم زيد فقد خالعتك على ألف درهم أو يقول : خالعتك على ألف درهم غدا أو رأس شهر كذا .
والقبول إليها بعد قدوم زيد وبعد مجيء الوقت حتى لو قبلت قبل ذلك لا يصح ; لأن التعليق بالشرط والإضافة إلى الوقت تطليق عند وجود الشرط والوقت ، فكان قبولها قبل ذلك هدرا ، ولو شرط الخيار لنفسه بأن قال : خالعتك على ألف درهم على أني بالخيار ثلاثة أيام لم يصح الشرط ويصح الخلع إذا قبلت ، وإن كان الابتداء من المرأة بأن قالت : اختلعت نفسي منك بألف درهم فلها أن ترجع عنه قبل قبول الزوج ويبطل بقيامها عن المجلس وبقيامه أيضا ، ولا يقف على ما وراء المجلس بأن كان الزوج غائبا حتى لو بلغه وقبل لم يصح ، ولا يتعلق بشرط ولا ينضاف إلى وقت ، ولو شرط الخيار لها بأن قال : خالعتك على ألف درهم على أنك بالخيار ثلاثة أيام ، فقبلت جاز الشرط عند ، وثبت لها الخيار حتى إنها إذا اختارت في المدة وقع الطلاق ووجب المال ، وإن ردت لا يقع الطلاق ولا يلزمها المال ، وعند أبي حنيفة أبي يوسف شرط الخيار باطل ، والطلاق واقع والمال لازم . ومحمد
وإنما اختلف الجانبان في كيفية هذا النوع لأنه طلاق عندنا ، ومعلوم أن المرأة لا تملك الطلاق ، بل هو ملك الزوج لا ملك المرأة ، فإنما يقع بقول الزوج وهو قوله : خالعتك فكان ذلك منه تطليقا إلا أنه علقه بالشرط ، والطلاق يحتمل التعليق بالشرط ، والإضافة إلى الوقت لا تحتمل الرجوع والفسخ ولا يتقيد بالمجلس ويقف الغائب عن المجلس ولا يحتمل شرط الخيار ، بل يبطل الشرط ويصح الطلاق .
وأما في جانبها فإنه معاوضة المال ; لأنه تمليك المال بعوض ، وهذا معنى معاوضة المال فتراعى فيه أحكام معاوضة المال كالبيع ونحوه وما ذكرنا من أحكامها ، إلا أن أبا يوسف يقولان في مسألة الخيار : إن الخيار إنما شرع للفسخ ، والخلع لا يحتمل الفسخ ; لأنه طلاق عندنا ، وجواب ومحمدا عن هذا أن يحمل الخيار في منع انعقاد العقد في حق الحكم على أصل أصحابنا فلم يكن العقد منعقدا في حق الحكم للحال ، بل هو موقوف في علمنا إلى وقت سقوط الخيار فحينئذ يعلم على ما عرف في مسائل البيوع والله الموفق . أبي حنيفة