ولو جاز الاستثناء في قولهم جميعا ; لأن الكلام الثاني ههنا ليس بلغو ; لأنه جملة يتعلق بها حكم فلم يصر فاصلا بخلاف الفصل الأول ، ولو جمع بين جملتين بحرف الواو ثم قال في آخرهما إن شاء الله تعالى بأن قال : أنت طالق واحدة وثلاثا إن شاء الله تعالى انصرف الاستثناء إلى الجملتين جميعا حتى لا يقع الطلاق ، والعتاق بالاتفاق . قال : امرأته طالق طالق وعبده حر إن شاء الله تعالى
وكذا إذا ذكر الشرط في آخر الجملتين بأن قال : إن دخلت الدار أو إن كلمت فلانا .
ولو انصرف الاستثناء إلى الجملة الأخيرة عند عامة العلماء . قال لزيد علي ألف درهم ولعمرو علي ألف درهم إلا خمسمائة
وقال بعضهم : ينصرف إلى جميع ما تقدم من الجمل ، وبه أخذ ، وعلى هذا الأصل بنوا مسألة الشافعي ; لأن قوله { المحدود في القذف إذا تاب وشهد إلا الذين تابوا } منصرف إلى ما يليه عندنا ، وعندهم إلى جميع ما تقدم .
وجه قول هؤلاء أن واو العطف إذا دخل بين الكلامين يجعلهما كلاما واحدا كما في قول القائل جاءني زيد ، وعمرو معناه جاءاني ، وكما إذا قال : امرأته طالق ، وعبده حر إن شاء الله تعالى ، أو قال : إن دخلت الدار أنه يتعلق الأمران جميعا بالشرط ، وإن كان كل واحد منهما جملة تامة لكن لما دخل بينهما واو العطف جعل كلاما واحدا ، وتعلقا جميعا بالشرط كذا هذا ، ولهذا إذا كان المعطوف ناقصا شارك الأول في حكمه وجعل الكل كلاما واحدا بأن قال : لامرأته أنت طالق ، وفلانة حتى يقع الطلاق عليهما كذا هذا ، ولنا أن الأصل في الاستثناء أن ينصرف إلى ما يليه ; لأنه أقرب إليه ، ومتصل به ; ولأنه ليس بكلام مفيد بنفسه مستقل بذاته ، فلا بد من ربطه بغيره ليصير مفيدا ، وهذه الضرورة تندفع بالصرف إلى ما يليه ، فانصرف إلى غيره من الجمل المتقدمة بدخول حرف العطف بين الجملتين فيجعلهما كلاما واحدا وجملة واحدة ، وإنما يجعل كلاما واحدا والجملتان جملة واحدة بواو العطف إذا كانت إحدى الجملتين ناقصة بحيث لو فصلت عن الجملة الأخرى لا تكون مفيدة ، .
فأما إذا كانت كاملة بحيث لو فصلت عن الأخرى كانت مفيدة ، فلا يجعلان كلاما واحدا ; لأن الجعل للعطف الموجب للشركة والشركة ثابتة بدون حروف الواو فكان الوصل والإشراك بحرف الواو ، وعدمه سواء ; ولأن جعل الكلامين كلاما واحدا خلاف الحقيقة ، فلا يصار إليه إلا لضرورة - وهي أن تكون إحدى الجملتين ناقصة إما صورة أو معنى - كما في قول القائل جاءني زيد ، وعمرو فإن الجملة الثانية ناقصة ; لأنها مبتدأ لا خبر له فجعلت كاملة بالإشراك بحرف الواو كما في قول الرجل لامرأتيه : زينب طالق ، وعمرة لما قلنا ، أو تكون ناقصة معنى في حق حصول غرض المتكلم ، كما في قوله امرأته طالق ، وعبده حر إن شاء الله تعالى أو إن دخلت الدار فإن هناك إحدى الجملتين ناقصة في حق حصول غرض الحالف ; لأن غرضه أن يجعلهما جميعا جزاء واحدا للشرط ، وإن كان كل واحد في نفسه يصلح جزاء تاما ، وهذا الغرض لا يحصل إلا بالإشراك والوصل فيكون أحدهما بعض الجزاء فكانت جملة ناقصة في المعنى - ، وهو تحصيل غرضه - فيجعل كأنه ناقص في أصل الإفادة ، ومثل هذه الضرورة لم توجد ههنا فبقيت كل جملة منفردة بحكمها ، وإن كانت معطوفة بحرف الواو كما لو قال جاءني زيد ، وذهب عمرو فإن هذا [ ص: 159 ] عطف جملة على جملة بحرف الواو ، ولم تثبت الشركة بينهما في الخبر لما قلنا كذا هذا .