ولو لا يصدق في القضاء لعدوله عن الظاهر ; لأنه يستعمل في إنشاء العتق في عرف اللغة والشرع كما يستعمل في الإخبار فإن العرب قبل ورود الشرع كانوا يعتقون عبيدهم بهذه الصيغة وفي الحمل على الخبر حمل على الكذب ، وظاهر حال العاقل بخلافه فلا يصدق في القضاء كما لو قال في شيء من هذه الألفاظ من قوله : أعتقتك أو نحوه ; عنيت به الخبر كذبا لا يصدق في القضاء ويصدق به فيما بينه وبين الله عز وجل ; لأنه نوى ما يحتمله كلامه ; لأنه يحتمل الإخبار وإن كان إرادته الخبر خلاف الظاهر ، ولو قال : عنيت به أنه كان خبرا فإن كان موكدا لا يصدق أصلا ; لأنه كذب محض وإن كان إنشاء لا يصدق قضاء ; لأن الظاهر إرادة الإنشاء من هذه الألفاظ فلا يصدق في العدول عن الظاهر ويصدق ديانة ; لأن اللفظ يحتمل الإخبار عن الماضي ، ولو قال لامرأته : طلقتك ونوى به الإخبار كذبا عتق في القضاء ; لأن العتق بالنسبة إلى الأعمال والأزمان لا يتجزأ لاستحالة أن يعتق اليوم ويسترق غدا أو يعتق في عمل ويرق في عمل فكان الإعتاق في عمل دون عمل وفي زمان دون زمان إعتاقا من الأعمال كلها وفي الأزمان بأسرها فإذا نوى بعض الأعمال والأزمان فقد نوى خلاف الظاهر فلا يصدقه القاضي وكذا إذا قال : أنت مولاي وقال : عنيت به الموالاة في الدين لا يصدق في القضاء ; لأنه خلاف الظاهر ; إذ هو يستعمل لولاء العتق ظاهرا [ ص: 47 ] ويصدق ديانة ; لأن اللفظ يحتمل ما نوى ، ولو قال : أنت حر من عمل كذا أو أنت حر اليوم من هذا العمل عتق ; لأن قوله : ما أنت إلا حر آكد من قوله : أنت حر ; لأنه إثبات بعد النفي كقولنا : لا إله إلا الله ، ولو قال : ما أنت إلا حر عتق ; لأن اللام في قوله لوجه الله تعالى لام الغرض فقد نجز الحرية وبين أن غرضه من التحرير وجه الله عز وجل ، وكذا لو قال أنت حر لوجه الله تعالى ; عتق ذكره قال لعبده : أنت حر لوجه الشيطان في الأصل ; لأنه أعتقه بقوله أنت حر وبين غرضه الفاسد من الإعتاق فلا يقدح في العتق ، ولو محمد عتق الذي أجابه ; لأن قوله أنت حر خطاب والمتكلم أولى بصرف الخطاب إليه من الساكت ، ولو قال : عنيت سالما عتقا في القضاء أما مرزوق فلأن الإشارة مصروفة إليه لما بينا فلا يصدق في أنه ما عناه . دعا عبده سالما فقال : يا سالم فأجابه مرزوق فقال : أنت حر ولا نية له
وأما سالم فبإقراره وأما فيما بينه وبين الله تعالى فإنما يعتق الذي عناه خاصة ; لأن الله تعالى يطلع على سره ، ولو عتق سالم ; لأنه لا مخاطب ههنا إلا سالم فيصرف قوله أنت حر إليه ، والله عز وجل أعلم . قال : يا سالم أنت حر فإذا هو عبد آخر له أو لغيره