( وأما ) ، فقد روي عن أبي يوسف أنه ليس بنجس وهو قياس ما ذكره الدم الذي يكون على رأس الجرح والقيء إذا كان أقل من ملء الفم ، لأنه لا يجب بخروجه الوضوء ، وعند الكرخي نجس ، هو يقول : إنه جزء من الدم المسفوح ، والدم المسفوح نجس بجميع أجزائه ، محمد يقول : إنه ليس بمسفوح بنفسه ، والنجس هو الدم المسفوح لقوله تعالى { وأبو يوسف قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس } والرجس : هو النجس ، فظاهر الآية يقتضي أن لا محرم سواها فيقتضي أن لا نجس سواها إذ لو كان لكان محرما ، إذ النجس محرم ، وهذا خلاف ظاهر الآية ، ووجه آخر من الاستدلال بظاهر الآية أنه نفى حرمة غير المذكور ، وأثبت حرمة المذكور ، وعلل لتحريمه بأنه رجس - أي نجس - ولو كان غير المذكور نجسا لكان محرما ; لوجود علة التحريم ، وهذا خلاف النص ; لأنه يقتضي أن لا محرم سوى المذكور فيه ، ودم البق والبراغيث ليس بنجس عندنا ، حتى لو وقع في الماء القليل لا ينجسه ، ولو أصاب الثوب أكثر من قدر الدرهم لا يمنع جواز الصلاة .
وقال : هو نجس لكنه معفو عنه في الثوب للضرورة ، ( واحتج ) بقوله تعالى : { الشافعي حرمت عليكم الميتة والدم } من غير فصل بين السائل وغيره ، والحرمة - لا للاحترام - دليل النجاسة .
( ولنا ) قوله تعالى : { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما } الآية والاستدلال بها من الوجهين اللذين ذكرناهما ، ولأن صيانة الثياب والأواني عنها متعذرة فلو أعطي لها حكم النجاسة لوقع الناس في الحرج ، وأنه منفي شرعا بالنص ، وبهذين الدليلين تبين أن المراد من المطلق المقيد وهو الدم المسفوح ودم الأوزاغ نجس ; لأنه سائل ، وكذا الدماء السائلة من سائر الحيوانات لما قلنا ، بل أولى ، لأنه لما كان نجسا من الآدمي المكرم فمن غيره أولى .