( كتاب التدبير ) :
الكلام في هذا الكتاب يقع فيما ذكرنا في كتاب العتق ، وهو بيان ، وبيان شرائط الركن ، وبيان صفة التدبير ، وبيان حكم التدبير ، ووقت ثبوت حكمه وبيان ما يظهر به التدبير . ركن التدبير
( فصل ) :
أما الأول ، فركن التدبير هو اللفظ الدال على معنى التدبير لغة ، وهو إثبات العتق عن دبر ، ثم إثبات العتق عن دبر نوعان : مطلق ومقيد .
أما المطلق فهو أن ، وله ألفاظ قد تكون بصريح اللفظ مثل أن يقول : أنت مدبر أو دبرتك ، وقد تكون بلفظ التحرير والإعتاق نحو أن يقول : أنت حر بعد موتي أو حررتك بعد موتي أو أنت معتق أو عتيق بعد موتي أو أعتقتك بعد موتي ، وكذا إذا قال : أنت حر عند موتي أو مع موتي أو في موتي هو بمنزلة قوله بعد موتي ; لأن ( عند ) كلمة حضرة فعند الموت يستدعي وجود الموت ، فيكون موته بمعنى الشرط وجمع للمقارنة ، ومقارنة الشيء يقتضي وجودهما ، و ( في ) للظرف فإذا دخل ما لا يصلح ظرفا يجعل شرطا . يعلق الرجل عتق عبده بموته مطلقا
كما إذا قال لعبده : أنت حر في دخولك الدار وقد يكون بلفظ اليمين بأن يقول : إن مت فأنت حر أو يقول : إذا مت أو متى مت أو متى ما مت أو إن حدث بي حدث أو متى حدث بي ; لأنه علق العتق بالموت مطلقا ، وكذا إذا ذكر في هذه الألفاظ مكان الموت الوفاة أو الهلاك ، ولو قال : إن مات فلان فأنت حر لم يكن مدبرا لأنه لم يوجد تعليق عتق عبده بموته ، فلم يكن هذا تدبيرا بل كان تعليقا بشرط مطلق ، كالتعليق بسائر الشروط من دخول الدار وكلام زيد وغير ذلك ، وقال : لو قال : أنت حر إن مت أو قتلت فليس بمدبر . أبو يوسف
وقال : هو مدبر ; لأنه علق عتقه بالموت وأنه كائن لا محالة ، زفر إن علق بأحد الأمرين فلا يصير مدبرا [ ص: 113 ] كما لو قال : إن مت أو مات زيد ، ولو قال : إن مت وفلان فأنت حر أو قال : أنت حر بعد موتي وموت فلان أو قال : بعد موت فلان وموتي لم يكن مدبرا إلا أن يموت فلان قبله ، فيصير حينئذ مدبرا وإنما لا يصير مدبرا للحال ; لأنه يحتمل أن يموت المولى أولا فلا يعتق ; لأنه علق العتق بشرطين : بموته ، وموت فلان فلا يعتق بموته وحده ويصير العبد ميراثا . ولأبي يوسف
فبعد ذلك إن مات فلان ووجد الشرط الآخر ، فإنما وجد بعدما انتقل الملك إلى الورثة ، ويحتمل أن يموت فلان فيصير مدبرا ويعتق بموت المولى ، فكان هذا كالتدبير المقيد ، ثم ينظر إن مات المولى أولا فقد صار العبد ميراثا للورثة لما بينا .
وإن مات فلان أولا فقد صار مدبرا ; لأن التدبير صار مطلقا وصار العبد بحاله يعتق بموت المولى ، ثم استشهد في الأصل ، فقال : ألا ترى أنه . لو قال : أنت حر بعد كلامك فلانا وبعد موتي
فكلم فلانا ، كان مدبرا ، وكذلك قوله : إذا كلمت فلانا فأنت حر بعد موتي .
فكلمه صار مدبرا ; لأنه بعد الكلام صار التدبير مطلقا فكذا هذا ، وقد يكون بلفظ الوصية وهو أن يوصي لعبده بنفسه أو برقبته أو بعتقه ، أو يوصيه بوصية يستحق من جملتها رقبته أو بعضها ، نحو أن يقول له : أوصيتك بنفسك أو برقبتك أو بعتقك ، أو كل ما يعبر به عن جملة البدن ; لأن الموصي يزيل ملكه بالوصية ، ثم إن كان الموصى له ممن يحتمل الملك يزول الملك إليه ، وإلا فيزول لا إلى أحد ، والحر لا يحتمل أن يملك نفسه لما فيه من الاستحالة فكانت الوصية له بنفسه إزالة الملك لا إلى أحد وهذا معنى الإعتاق ، فهذا الطريق جعل بيع نفس العبد وهبتها له إعتاقا كذا هذا ، فيصير في معنى قوله : أنت حر بعد موتي ، وكذا لو قال له : أوصيت لك بثلث مالي ; لأن رقبته من جملة ما له فصار موصى له بثلثها ، ولأن هذا إزالة الملك من الثلث لا إلى أحد فيكون إعتاقا ، وروى بشر عن في أبي يوسف أنه يعتق بعد موته ، ولو أوصى له بجزء من ماله لم يعتق ، ووجه الفرق أن السهم عبارة عن السدس فإذا أوصى له بسدس ماله فقد دخل سدس رقبته في الوصية . من أوصى لعبده بسهم من ماله
فأما اسم الجزء فلا يتضمن الوصية بالرقبة لا محالة ، فكان الخيار فيه إلى الورثة فلهم التعيين فيما شاء ، والله - عز وجل - أعلم .