وأما فهناك لا يمكن أن يجعل الكلام سببا للحال ; لأن الأمر متردد بين أن يموت من ذلك المرض ، وفي ذلك السفر أو لا يموت . المدبر المقيد
فكان الشرط محتمل الوجود والعدم ، فلم يكن التعليق سببا للحال كالتعليق بسائر الشروط ، وكذا لما علق العتق بأمر يحتمل الوجود والعدم دل أنه ليس غرضه من هذا الكلام التقرب إلى الله عز وجل بإعتاق هذا العبد ، ولا قضاء حق الخدمة القديمة ، إذ لو كان ذلك غرضه لعلقه بشرط كائن لا محالة .
وأما قوله : إن في التدبير معنى الوصية .
فنعم ، لكن هذه وصية لازمة لثبوتها في ضمن أمر لازم وهو اليمين ، فلا يحتمل الفسخ ، ولهذا لا يحتمل الرجوع ، بخلاف الوصية بالإعتاق .
فإن قيل : هذا يشكل بالتدبير المقيد .
فإنه يتضمن معنى الوصية اللازمة ومع هذا يجوز بيعه قيل معنى الوصية للحال متردد لتردد موته على تلك الصفة ، فلا يصير العبد موصى له قبل الموت بتلك الصفة ، وههنا بخلافه وإذا ثبت حق الحرية للمدبر المطلق في الحال فكل تصرف فيه يبطل هذا الحق لا يجوز ، وما لا يبطله يجوز ، وعلى هذا تخريج المسائل لا يجوز والوصاية به ; لأنه تصرف تمليك الرقبة فيبطل حق الحرية ولا يجوز رهنه ; لأن الرهن والارتهان من باب إيفاء الدين واستيفائه عندنا . بيعه وهبته والتصدق به
فكان من باب تمليك العين وتملكها ، ويجوز ; لأنها لا تبطل هذا الحق ; لأنها تصرف في المنفعة بالتمليك لا في العين ، والمنافع على ملك المدبر ، وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه باع خدمة المدبر ولم يبع رقبته ، وبيع خدمة المدبر بيع منفعته ، وهو معنى الإجارة ، ويجوز إجارته ; لأنها استيفاء المنافع ، ويجوز الاستخدام ، وكذا الوطء والاستمتاع في الأمة لأن التزويج تمليك المنافع وعن تزويجها أنه كان يطأ مدبرته ; ولأن الاستيلاد آكد من التدبير ; لأنه يوجب الحرمة من جميع المال ، والتدبير من الثلث ، [ ص: 122 ] ثم الاستيلاد لا يمنع من الإجارة والاستخدام ولا يمنع من الاستمتاع والوطء والتزويج في الأمة ، فالتدبير أولى ، والأجرة والمهر والعقر والكسب والغلة للمولى ; لأنها بدل المنافع ، والمنافع ملكه والأرش له لأنه بدل جزء فات على ملكه ، ولا يتعلق الدين برقبته ; لأن رقبته لا تحتمل البيع لما بينا ، ويتعلق بكسبه ويسعى في ديونه بالغة ما بلغت ، وجنايته على المولى وهو الأقل من قيمته ومن أرش الجناية ، ولا يضمن المولى أكثر من قيمة واحدة ، وإن كثرت الجنايات لما نذكر في كتاب الجنايات إن شاء الله تعالى ويجوز عبد الله بن عمر لأنه إيصاله إلى حقيقة الحرية معجلا ، ولأن المنع من البيع ونحوه ، لما فيه من منعه من وصوله إلى هذا المقصود . إعتاقه ;
فمن المحال أن يمنع من إيصاله إليه ، ولهذا جاز إعتاقه أم الولد كذا المدبر ، ويجوز ; لأنه يريد تعجيل الحرية إليه والمولى يملك ذلك كما يملك مكاتبة أم الولد ، وولد المدبرة من غير سيدها بمنزلتها لإجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك ، فإنه روي عن مكاتبته رضي الله عنه أنه قال : ولد المدبرة بمنزلتها يعتق بعتقها ويرق برقها وروي أن ابن مسعود رضي الله عنه خوصم إليه في أولاد مدبرة ، فقضى أن ما ولدته قبل التدبير عبد وما ولدته بعد التدبير مدبر وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد منهم . عثمان
فيكون إجماعا ، وهو قول شريح ومسروق وعطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن رضي الله عنهم ولا يعرف في وقتادة السلف خلاف ذلك ، وإنما قال به بعض أصحاب فلا يعتد بقوله ; لمخالفة الإجماع ولأن حق الحرية يسري إلى الولد كولد أم الولد ، وما ولدته قبل التدبير فهو من أقضية الشافعي رضي الله عنه بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ولأن حق الحرية لم يكن ثابتا في الأم وقت الولادة حتى يسري إلى الولد ، ولو عثمان : ولدتيه قبل التدبير . اختلف المولى والمدبرة في ولدها فقال المولى
فهو رقيق وقالت هي : ولدته بعد التدبير فهو مدبر ، فالقول قول المولى مع يمينه على علمه ، والبينة بينة المدبرة ; لأن المدبرة تدعي سراية التدبير إلى الولد ، والمولى ينكر .
فكان القول قوله مع اليمين ويحلف على علمه ; لأن الولادة ليست فعله ، والبينة بينة المدبرة ; لأن فيهما إثبات التدبير وهو رقيق ، وقالت : بل ولدته بعد العتق وهو حر يحكم فيه الحال إن كان الولد في يدها فالقول قولها ، وإن كان في يد المولى فالقول قوله ; لأنه إذا كان في يدها كان الظاهر شاهدا لها وإذا كان في يده كان الظاهر شاهدا له بخلاف المدبرة لأنها في يد المولى فكذا ولدها ، فكان الظاهر شاهدا له على كل حال ، وكان القول قوله ، ولو ولو كان مكان التدبير عتق فقال المولى للمعتقة : ولدتيه قبل العتق فالأم مدبرة والولد رقيق ; لأن الأم إنما صارت مدبرة بالشرط ولم يوجد الشرط في حق الولد ، وإنه منفصل فلا يسري إليه تدبير الأم ، والله عز وجل أعلم . قال لأمة لا يملكها : إن ملكتك فأنت مدبرة ، وإن اشتريتك فأنت مدبرة فولدت ولدا ثم اشتراهما جميعا