وروي عن أنه قال في أبي حنيفة : ينزح ماء البئر كله ; لأن بدنه لا يخلو من نجاسة حقيقية أو حكمية ، حتى لو تيقنا بطهارته بأن اغتسل ، ثم وقع في البئر من ساعته لا ينزح منها شيء الكافر إذا وقع في البئر تنجس الماء ; لاختلاط النجس به سواء وصل فمه إلى الماء أو لا ، وإن لم يعلم ذلك اختلف المشايخ فيه قال بعضهم : العبرة لإباحة الأكل وحرمته إن كان مأكول اللحم لا ينجس ولا ينزح شيء ، سواء وصل لعابه إلى الماء أو لا ، وإن لم يكن مأكول اللحم ينجس ، سواء كان على بدنه أو مخرجه نجاسة أو لا . وأما سائر الحيوانات فإن علم بيقين أن على بدنها نجاسة أو على مخرجها نجاسة
وقال بعضهم : المعتبر هو السؤر ، فإن كان لم يصل فمه إلى الماء لا ينزح شيء ، وإن وصل فإن كان سؤره طاهرا فالماء طاهر ولا ينزح منه شيء ، وإن كان نجسا فالماء نجس وينزح كله ، وإن كان مكروها يستحب أن ينزح عشر دلاء ، وإن كان مشكوكا فيه فالماء [ ص: 75 ] كذلك وينزح كله كذا ذكر في الفتاوى عن وذكر أبي يوسف ابن رستم في نوادره أن المستحب في الفأرة نزح عشرين ، وفي الهرة نزح أربعين ; لأن ما كان أعظم جثة كان أوسع فما وأكثر لعابا وذكر في فتاوى أهل بلخ : إذا يستحب نزح أربع دلاء إلى خمس أو ست . وقعت وزغة في بئر فأخرجت حية
وروي عن أبي حنيفة في البقر والإبل أنه ينجس الماء ; لأنها تبول بين أفخاذها فلا تخلو عن البول غير أن عند وأبي يوسف ينزح عشرون دلوا ; لأن أبي حنيفة نجس نجاسة خفيفة . بول ما يؤكل لحمه
وقد ازداد خفة بسبب البئر فينزح أدنى ما ينزح من البئر وذلك عشرون وعند ينزح ماء البئر كله ; لاستواء النجاسة الخفيفة والغليظة في حكم تنجيس الماء ، هذا كله إذا خرج حيا فإن خرج ميتا ، فإن كان منتفخا أو متفسخا نزح ماء البئر كله وإن لم يكن منتفخا ولا متفسخا ذكر في ظاهر الرواية وجعله ثلاث مراتب : في الفأرة ونحوها ينزح عشرون دلوا أو ثلاثون ، وفي الدجاج ونحوه أربعون أو خمسون ، وفي الآدمي ونحوه ماء البئر كله وروى أبي يوسف الحسن عن وجعله خمس مراتب : في الحمامة ونحوها ينزح عشر دلاء ، وفي الفأرة ونحوها عشرون ، وفي الحمام ونحوه ثلاثون ، وفي الدجاج ونحوه أربعون ، وفي الآدمي ونحوه ماء البئر كله . أبي حنيفة
وقوله : في الكتاب ينزح في الفأرة عشرون أو ثلاثون ، وفي الهرة أربعون أو خمسون لم يرد به التخيير بل أراد به عشرين وجوبا وثلاثين استحبابا ، وكذا في الأربعين والخمسين ، وقال بعضهم : إنما قال ذلك ; لاختلاف الحيوانات في الصغر والكبر ، ففي الصغير منها ينزح الأقل وفي الكبير ينزح الأكثر ، والأصل في البئر أنه وجد فيها قياسان أحدهما : ما قاله أنه يطم ويحفر في موضع آخر ; لأن غاية ما يمكن أن ينزح جميع الماء لكن يبقى الطين والحجارة نجسا ، ولا يمكن كبه ليغسل ، والثاني : ما نقل عن بشر بن غياث المريسي أنه قال : اجتمع رأيي ورأي محمد أن ماء البئر في حكم الماء الجاري ; لأنه ينبع من أسفله ويؤخذ من أعلاه ، فلا ينجس بوقوع النجاسة فيه كحوض الحمام إذا كان يصب الماء فيه من جانب ويغترف من جانب آخر ، أنه لا ينجس بإدخال اليد النجسة فيه ، ثم قلنا : وما علينا لو أمرنا بنزح بعض الدلاء ؟ ولا نخالف السلف إلا أنا تركنا القياسين الظاهرين بالخبر والأثر وضرب من الفقه الخفي ، أما الخبر فما روى القاضي أبي يوسف أبو جعفر الأسروشني بإسناده عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في : ينزح منها عشرون ، وفي رواية ينزح ثلاثون دلوا الفأرة تموت في البئر } وأما الأثر فما روي عن رضي الله عنه أنه قال : ينزح عشرون وفي رواية ثلاثون ، وعن علي رضي الله عنه أنه قال في دجاجة ماتت في البئر : ينزح منها أربعون دلوا ، وعن أبي سعيد الخدري ابن عباس رضي الله عنهما أنهما أمرا بنزح جميع ماء وابن الزبير زمزم حين مات فيها زنجي وكان بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ، ولم ينكر عليهما أحد فانعقد الإجماع عليه وأما الفقه الخفي فهو أن في هذه الأشياء دما مسفوحا وقد تشرب في أجزائها عند الموت فنجسها .
وقد جاورت هذه الأشياء الماء ، والماء يتنجس أو يفسد بمجاورة النجس ; لأن الأصل أن ما جاور النجس نجس بالشرع ، قال صلى الله عليه وسلم { } فقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بنجاسة جار النجس وفي الفأرة ونحوها ما يجاورها من الماء مقدار ما قدره أصحابنا ، وهو عشرون دلوا أو ثلاثون ; لصغر جثتها ، فحكم بنجاسة هذا القدر من الماء ; لأن ما وراء هذا القدر لم يجاور الفأرة ، بل جاور ما جاور الفأرة ، والشرع ورد بتنجيس جار النجس ، لا بتنجيس جار جار النجس ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بطهارة ما جاور السمن الذي جاور الفأرة ، وحكم بنجاسة ما جاور الفأرة وهذا ; لأن جار جار النجس لو حكم بنجاسته ; لحكم أيضا بنجاسة ما جاور جار جار النجس ، ثم هكذا إلى ما لا نهاية له ، فيؤدي إلى أن : في الفأرة تموت في السمن الجامد يقور ما حولها ويلقى ، ويؤكل الباقي أن يتنجس جميع مائه ; لاتصال بين أجزائه ، وذلك فاسد ، وفي الدجاجة والسنور وأشباه ذلك المجاورة أكثر ; لزيادة ضخامة في جثتها فقدر بنجاسة ذلك القدر ، والآدمي وما كانت جثته مثل جثته كالشاة ونحوها يجاور جميع الماء في العادة ; لعظم جثته فيوجب تنجيس جميع الماء ، وكذا إذا تفسخ شيء من هذه الواقعات أو انتفخ ; لأن عند ذلك تخرج البلة منها ; لرخاوة فيها فتجاور جميع أجزاء الماء ، وقيل : ذلك لا يجاور إلا قدر ما ذكرنا ; لصلابة فيها ; ولهذا قال قطرة من بول أو فأرة لو وقعت في بحر عظيم : محمد ينزح جميع الماء ; لأن موضع القطع لا ينفك عن بلة فيجاور أجزاء الماء فيفسدها ، هذا إذا كان الواقع واحدا فإن كان أكثر روي عن إذا وقع في [ ص: 76 ] البئر ذنب فأرة أنه قال في الفأرة ونحوها : ينزح عشرون إلى الأربع ، فإذا بلغت خمسا ينزح أربعون إلى التسع ، فإذا بلغت عشرا ينزح ماء البئر كله . أبي يوسف
وروي عن أنه قال في الفأرتين : ينزح عشرون ، وفي الثلاث أربعون ، وإذا كانت الفأرتان كهيئة الدجاج ينزح أربعون . محمد