( وأما ) لحم الخيل فقد قال رضي الله عنه : يكره وقال أبو حنيفة أبو يوسف رحمهما الله : لا يكره ، وبه أخذ ومحمد رحمه الله واحتجا بما روي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال { أنس بن مالك } وروي عن : أكلنا لحم فرس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه أنه قال : { جابر } وروي أنه قال { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في الخيل } وروي عنه أنه قال : { : أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر } ، وعن سيدتنا كنا قد جعلنا في قدورنا لحم الخيل ولحم الحمار فنهانا النبي عليه الصلاة والسلام أن نأكل لحم الحمار وأمرنا أن نأكل لحم الخيل رضي الله عنهما أنها قالت : { أسماء بنت سيدنا أبي بكر الصديق } نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه رضي الله عنه الكتاب والسنة ودلالة الإجماع . ولأبي حنيفة
( أما ) الكتاب العزيز فقوله جل شأنه { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } .
( ووجه ) الاستدلال به ما حكي عن رضي الله عنهما فإنه روي أنه سئل عن لحم الخيل فقرأ بهذه الآية الشريفة وقال : ولم يقل تبارك وتعالى لتأكلوها فيكره أكلها وتمام هذا الاستدلال أن الله تبارك وتعالى ذكر الأنعام فيما تقدم ومنافعها وبالغ في ذلك بقوله تعالى { ابن عباس والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون } .
وكذا ذكر فيما بعد هذه الآية الشريفة متصلا بها منافع الماء المنزل من السماء ، والمنافع المتعلقة بالليل والنهار والشمس والقمر والنجوم ، والمنافع المتعلقة بالبحر على سبيل المبالغة بيان شفاء لا بيان كفاية ، وذكر في هذه الآية أنه سبحانه وتعالى خلق الخيل والبغال والحمير للركوب والزينة ، ذكر منفعة الركوب والزينة ولم يذكر سبحانه وتعالى منفعة الأكل فدل أنه ليس فيها منفعة أخرى سوى ما ذكرناه ولو كان هناك منفعة أخرى سوى ما ذكرنا لم يحتمل أن لا نذكرها عند ذكر المنافع المتعلقة بها على سبيل المبالغة والاستقصاء ، وقوله عز وجل { يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } ولحم الخيل ليس بطيب بل هو خبيث ; لأن الطباع السليمة لا تستطيبه بل تستخبثه حتى لا تجد أحدا ترك بطبعه إلا ويستخبثه وينقي طبعه عن أكله وإنما يرغبون في ركوبه ألا يرغب طبعه فيما كان مجبولا عليه ، وبه تبين أن الشرع إنما جاء بإحلال ما هو مستطاب في الطبع لا بما هو مستخبث ولهذا لم يجعل المستخبث في الطبع غذاء اليسر وإنما جعل ما هو مستطاب بلغ في الطيب غايته .
( وأما ) السنة فما روي عن رضي الله عنه أنه قال : { جابر خيبر أصاب الناس مجاعة فأخذوا الحمر الأهلية فذبحوها فحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الإنسية ، ولحوم الخيل والبغال ، وكل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير ، وحرم الخلسة والنهبة } وعن لما كان يوم رضي الله عنه أنه قال { خالد بن الوليد أكل لحوم الخيل والبغال والحمير } ، وعن : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن النبي عليه الصلاة والسلام قال { المقدام بن معدي كرب } وهذا نص على التحريم ، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { حرم عليكم الحمار الأهلي وخيلها } صلحت للأكل لقال عليه الصلاة والسلام : الخيل لأربعة لرجل ستر ، ولرجل أجر ، ولرجل وزر ولرجل طعام . الخيل لثلاثة فهي لرجل ستر ، ولرجل أجر ، ولرجل وزر
( وأما ) دلالة الإجماع فهي أن البغل حرام بالإجماع وهو ولد الفرس فلو كانت أمه حلالا لكان هو حلالا أيضا ; لأن حكم الولد حكم أمه ; لأنه منها وهو كبعضها .
ألا ترى أن لم يؤكل ولدها ؟ ، ولو حمار وحش لو نزي على حمارة أهلية فولدت يؤكل ولدها ؟ ليعلم أن حكم الولد حكم أمه في الحل والحرمة دون الفحل فلما كان لحم الفرس حراما كان لحم البغل كذلك ، وما روي في بعض الروايات عن نزا حمار أهلي على حمارة وحشية وولدت وما في رواية سيدتنا جابر رضي الله عنها يحتمل أنه كان ذلك في الحال التي كان يؤكل فيها الحمر ; لأن النبي عليه الصلاة والسلام إنما نهى عن أكل لحوم الحمر يوم أسماء خيبر وكانت الخيل تؤكل في ذلك الوقت ثم حرمت يدل عليه ما روي عن الزهري أنه قال : ما علمنا الخيل أكلت إلا في حصار ، وعن الحسن رضي الله عنه أنه قال [ ص: 39 ] كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكلون لحوم الخيل في مغازيهم فهذا يدل على أنهم كانوا يأكلونها في حال الضرورة كما قال الزهري رحمه الله ، أو يحمل على هذا عملا بالدليل صيانة لها عن التناقض أو يترجح الحاظر على المبيح احتياطا وهذا الذي ذكرنا حجج رضي الله عنه على رواية أبي حنيفة الحسن أنه يحرم أكل لحم الخيل .
( وأما ) على ظاهر الرواية عن رضي الله عنه أنه يكره أكله ولم يطلق التحريم لاختلاف الأحاديث المروية في الباب واختلاف السلف فكره أكل لحمه احتياطا لباب الحرمة . أبي حنيفة